نارا بقدرة غريبة. وقيل عنى بذلك الشجر : المرخ ، والعفار وهما شجران معروفان يكونان في ناحية المغرب من بلاد العرب فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر عودا ومن الآخر عودا ثم يسحق العفار على المرخ فتنقدح منهما النار ويقطر منهما الماء ، العفار. فمن قدر أن يخرج من الشجر الذي هو في غاية الرطوبة نارا مع مضادّة النار للرّطوبة ، وبعبارة أخرى يخرج الضدّ من الضدّ أي النار من الماء ، فهو قادر على اعادتكم والحاصل إنه إذا كمنت النار الحارة في الشجر الأخضر المملوء من الماء فهو على الإعادة من بلي أقدر ، وهي أهون عليه مع ما تتصوّرون من أنها أصعب من كل شيء قال بعض أهل الفحص والتحقيق إن كل شجر ينقدح منه النار إلّا العنّاب فإنه فاقد لتلك المادة والعرب اختاروا المرخ والعفار لكثرة هذه المادة فيهما. ثم إنه تعالى لتقريعهم يقول :
٨١ ـ (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ ...) هذا الاستفهام معناه التقرير ، يعني من قدر على إيجاد هذه الأجرام العلويّة والسّفليّة وإبداعهما مع عظمهما وكبر جرمهما وكثرة أجزائهما ، يقدر على إعادة خلق البشر مع كونه في غاية الحقارة. ثم أجاب عن هذا الاستفهام بقوله (بَلى) أي نعم يقدر على ذلك (وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) أي كثير الخلق وكثير العلم بحيث لا يعزب عن علمه مثقال ذرة أو شيء وبحيث لا تحصى ولا تعدّ مخلوقاته. ثم إنه تعالى أخذ في بيان إظهار قدرته وكنه عظمته بقوله :
٨٢ ـ (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً ...) أي إنما شأنه حينما يقصد إحداث شيء وإبداعه (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) بمجرّد هذه الإرادة ، فإذا بهذا الشيء متكوّن وموجود بلا حاجة إلى قول كن أي أن هناك ملازمة بين الإرادة ووجود المراد وحدوثه دون حاجة إلى أيّ شيء ، وقوله (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ) بيان أو بدل عن قوله (شَيْئاً) فالجملة محلّا منصوبة والتقدير : إذا أراد أن يقول لشيء كن فيكون ويحتمل أن تكون مرفوعة المحل خبرا