بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) أي لا عبثا ولا باطلا ، وإنّما خلقناهما وما بينهما وفيهما من أنواع المخلوقات والمكوّنات بأصنافها لنتعبّد سكّانهما بالأمر والنّهي ونعرّضهم للثواب وجزيل النّعم. والخلق عبارة عن إظهار القدرة. وآثار القدرة في السّماوات والأرضين أظهر من غيرهما ولذا خصّهما بالذّكر لأنهما أدلّ على التوحيد ووجود الصّانع عند المتفكّرين وأرباب المعارف. وقالت المعتزلة هذه الشّريفة تدلّ على أنّ كلّ ما يقع في الكون من القبائح فهو ليس من خلقه كما ينسبونها إليه تعالى ، بل هو من أفعال عباده وإلّا لزم أن يكون خالقا لكلّ باطل ، وذلك ينافي قوله (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) أي مدة تنتهي يوم القيامة المعلومة عنده سبحانه وأخفى علمه عن العباد لمصالح عديدة. أو المراد (أَجَلٍ مُسَمًّى) لكلّ واحد وهو آخر مدّة بقائه المقدّر له في الدنيا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) أي منصرفون عمّا أنذروا به من يوم البعث والنشر والحساب والكتاب ، ولم يصدّقوا وهم عادلون عن قبوله والتفكّر فيه.
٤ ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...) قل يا محمّد لكفرة قريش وعابدي الأصنام : أخبروني عن الأصنام التي تعبدونها و (أَرُونِي) وهذا للتأكيد ، أي قولوا لي (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) أي ما الذي أبدعوه وأوجدوه من العدم وأين الذي اخترعوه من المخترعات الأرضيّة وصنائعها (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أي شراكة ، فهل شاركوا في خلقها وتركيبها؟ ثم قال سبحانه قل لهم : (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) أي أعطوني كتابا سماويّا قبل هذا القرآن يدل على صحّة ما ادّعيتم (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) أي بقايا من العلوم التي تستند إلى الأولين موجبة لليقين بما تقولون ، كعلامة أو كمكتوب من أعلام السلف تعلمون به أن الأصنام شركاء الله ، أو خبر من الرّسل السّابقين يقولون بهذا الأمر وأمثال ذلك ، فأتوا به إن كنتم صادقين في دعايتكم فهل من حجة تدلّ على قولكم من