قد هلكوا جميعا بأشدّ العذاب وأفظعه بأمر الرّب تعالى وتقدّس (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) أي لا يرى أحد في تلك البوادي التي كانوا يسكنونها إلّا آثار منازلهم ، أو المنازل المهدّمة الخالية من الساكنين. والآثار بالنسبة إلى بعضها للاعتبار وإظهار القدرة للمارّين بها ، و (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) أي كما جزيناهم نجزي من هم أمثالهم. وكلّ هذه الأخبار عن هلاك الأمم السالفة ، وكلّ واحد منها بكيفيّة خاصّة ، تخويف وتحذير لأمته محمّد صلىاللهعليهوآله. قد روي أن عادا كانوا تحت هبوب الرّيح سبع ليال وثمانية أيّام ثم كشفت عنهم واحتملتهم وقذفتهم في البحر.
٢٦ ـ (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ...) أي أعطيناهم من المكنة والقدرة ما لم نعطكم مثلها من القوة في الأبدان والبسطة في الأجسام وكثرة الأموال ، والطّول في الأعمار. ولفظة (إن) نافية جاءت مكان (ما) النّافية. وإيثارها عليها احتراز من التكرار في اللّفظ ، ولهذا بدّل في (مهما) الألف هاء والأصل (ماما) واحتمال كون (إِنْ) شرطيّة خلاف الظاهر مضافا إلى أن فيه كلفة الحاجة إلى تقدير جواب الشرط والأصل عدمه وعلى الفرض كان المقدر (كان بغيكم أكثر). (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) أي خلقنا لهم السمع ليشتغلوا به ويستعملوه في استماع المواعظ ونصح الأنبياء والرّسل فلم يستعملوه فيما خلق له ، وأعطيناهم نعمة البصر حتى ينظروا إلى آيات ربّهم ومظاهر قدرته فلم يستعملوه فيما خلق له. وأنعمنا عليهم بنعمة الأفئدة ليتفكّروا في الآيات والحجج لكنّهم لم يستعملوها فيما خلقت له فلم يستمعوا لكلام حق ولا شاهدوا آثار قدرة الله ودلائل التوحيد ، ولا تدبّروا في المظاهر التي تدل على وجود صانعها ووحدانيته لأن له في كل شيء آية وعلامة تدل عليه وعلى وحدانيّته. ولكنّ جحدهم وعنادهم المفرط حملهم على ذلك ، ولذا يقول سبحانه (فَما أَغْنى