الموصوفة بأنّها موعودة للمتّقين هذه. فلفظة (هذه) خبره وإشارة إلى ما سيجيء من الأوصاف المتعقّبة لها ، ومنها قوله جلّ وعلا (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) أي غير متغيّر الطعم والرّيح واللّون لعارض كمياه الدنيا (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) أي بالحموضة والقراصة لطول الزمان أو حرارة الهواء أو خلطه بما يخرجه عن طعمه الطبيعيّ (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) إمّا تأنيث لذّ بمعنى اللّذيذ ، أو مصدر بمعنى الفاعل. وذكره بهيئة المصدر إيماء إلى المعنى السامي العالي أي كون الجنّة مجسّمة اللّذة وعين الالتذاذ. والحاصل أنّ خمور الجنّة مطربة وملذّذة ومفرّحة للشاربين ومنزّهة عن كراهة الريح وغائلة السّكر وشناعة الخمر ورداءة الطعم ومرارته بخلاف الخمور الدنيوية التي هي جامعة لهذه الأوصاف الرّديئة المنفّرة الكريهة. ومن الأنهار الأربعة التي في الجنّة (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) أي من جميع الكدورات كالشمع ومدفوعات النحل وما يتصوّر فيه. والحاصل أنه ليس فيه شيء من المنفّرات في أصل خلقته. ومن نعم الجنّة غير ما ذكر أن (لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي من جميع ما يتصوّر وما لا يتصّور كمّا وكيفا من أصناف الفواكه وأقسامها خالية من جميع العيوب والآفات ومن النّعم التي هي أهمّها وأعظم من الكلّ وفوقها بحيث لا يتصوّر فوقها نعمة من أمثال النّعم التي ذكرناها آنفا هو ما ذكره سبحانه بقوله : (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) أي مضافا إلى ما ذكر أنه تعالى يكرم أهل الجنّة بستر الذّنوب وتغطيتها بحيث لا يعلم أحد ذنب أحد من المؤمنين الذين في الجنّة حتى يخجل ويضجر من صاحبه فيؤذى فينغّص عيشه فيها. وفي بعض التفاسير نقل أنه تعالى بفضله ومنّه ينسي أهل الجنّة جميع آثامهم وخطاياهم حتّى لا يتذكروها في الجنّة فتوجب تكدّر عيشهم وانتقاصه. فهل هذا المتنعّم في الجنّة بأنواع نعمها خالدا فيها (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ)؟ عند بعض المفسّرين هذه الجملة خبر لقوله سبحانه (مَثَلُ الْجَنَّةِ) في أوّل الآية وليس ببعيد وإن عدّ