أمره وإظهار دينه ، وعن النّصر والظّفر على جميع العرب حيث إن العرب في ذلك العصر كانت مكة محطّ أنظارهم ونصب أعينهم وكانوا تابعين لأهلها ، فإذا فتحت كأنه قد فتحت بلادهم جميعا. ولذا حينما بشر النبيّ صلىاللهعليهوآله بفتح مكة قال : هذه الآية عندي أحبّ إليّ من كلّ ما في الدّنيا أو قال : من جميع ما في الدّنيا. لأنّ فتح مكة يستلزم فتح البلاد العربيّة كلّها ، وفتح بلاد العرب يستلزم فتح جميع البلاد بشرط حياته صلىاللهعليهوآله مدة أو بشرط كون وصيّه الحقيقي (ع) مبسوط اليد. وقال قتادة : إن أنس روى أنّ رسول الله لمّا رجع من الحديبيّة لصدّه عن دخول مكة غمّ شديدا. ولمّا نزلت آية (إِنَّا فَتَحْنا) سرّ شديدا ، وقال ما ذكرناه آنفا عنه صلىاللهعليهوآله. ولما نزلت (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) زاد سروره فقال أصحابه : يا رسول الله هذا نصيبك فما ذا نصيبنا؟ فنزلت الشريفة (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) إلخ ولم يفصل بالواو العاطفة بين الجملتين ليستفاد منه كمال تقارنهما واتّصالهما في ترتّبهما على الفتح ولغيره من الأسرار والله أعلم. ولمّا كان الفتح سببه الظاهري هو صلىاللهعليهوآله وأصحابه ، صار جزاؤهم الغفران ودخول الجنّة وإن كان بحسب الواقع هو تعالى الفاتح ولذا نسبه إليه حيث إن النّصر والظفر كانا من عنده عزوجل (وَكانَ ذلِكَ) أي الإدخال والتكفير (فَوْزاً عَظِيماً) لأنّهما منتهى غاية الطالبين.
٦ ـ (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) ... وهم أهل المدينة ، وأطلق عليهم صفة النّفاق لأنهم كانوا يظهرون الإيمان ويخفون الشّرك فالنّفاق هو إبطان الشّرك أو الكفر وإظهار الإيمان ، من نافقاء اليربوع وهو ثقبه الذي له بابان أحدهما ظاهر والآخر مخفيّ ، فإذا أتى عدوّ إليه من الظاهر خرج من الآخر (وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) وهم أهل مكّة (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) أي يظنّون بالله أنّه يخالف ما وعده لرسوله وأنّه لا ينصر رسوله والمؤمنين بل