يكلهم إلى أنفسهم حتّى يغلبوا (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) أي يدور عليهم سوء ظنهم وهو منقلب عليهم ، ويعود إليهم ضرّ ظنّهم حيث إنّه سبحانه وتعالى صيّرهم مغلوبين ومنكوبين وأذلّاء صاغرين ببركة رسوله والمسلمين بحيث صاروا طلقاء لهم بعد كونهم عبيدا للرسول وللمؤمنين والحمد لله رب العالمين. وقال القمّي : وهم الذين أنكروا الصّلح واتّهموا رسول الله (ص) (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ) أي أبعدهم من رحمته ومواهبه (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) أي مرجعا. وكانت القاعدة أن تعطف الجملة الثانية والثالثة بالفاء حيث إنّ اللّعن متفرّع على الغضب واعداد جهنّم لهم إلّا أنّه لما أراد سبحانه أن يبيّن أنّ كل واحدة منها مستقلّة في السببيّة للوعيد عطف بالواو التي دلّت على الاستقلال. ثم إنّه تعالى لزيادة تخويفهم يقول :
٧ ـ (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ... كرّرت هذه الجملة في الآية الرابعة وها هنا لأنها في الأولى كانت قرينة لذكر المؤمنين وكانت بشارة لهم بالنّصر والظّفر ، وهي هنا تتّصل بذكر المنافقين والمشركين لتوعيدهم وتخويفهم. والمستفاد من الكريمة أنّ ما سواه سبحانه كلّه تحت أمره وقدرته ومسخّر بين يديه كتسخير العساكر وانقيادهم لرأسهم ولمن له السّلطة عليهم. فالإنسان إذا توجّه إلى نفسه يرى جميع أعضائه منقادة له سبحانه بحيث إذا أمرها بإيلام الإنسان وإيجاعه فالإنسان يتألم ويتأثّر كمال التأثر من ألم السّمع أو البصر أو السّن أو غيرها من الأعضاء بحيث تزول راحته بل قد يموت من بعض الأوجاع والآلام فيدرك الإنسان ويحسّ وجدانا أن أعضاءه بأجمعها جنود له تعالى ، فكيف بالأمور الخارجيّة والحوادث السماويّة والأرضيّة أعاذنا الله منها (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) أي غالبا عند القهر والانتقام ، وعارفا بتنظيم أمور عباده ، بل جميع مخلوقاته حيث إن جميع أفعاله معلّلة بالأغراض والمصالح.
* * *