وعملا وإن حدث فيهم فتور بعد حدّتهم وضعفهم بعد شدّة قوتهم وشوكتهم في هذه الأيام فقد ذهبت ريحهم وتسلّط الكفار على الأخيار كما وعد الله ورسوله ، وصدق الرسول الكريم فيما وعد به ونحن على ذلك من الشاهدين (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي يثبتكم على طريق الحق بفضله وإحسانه.
٢١ ـ (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) ... أي وعدكم مغانم أخرى (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) ولعلّ المراد بها غنائم فارس أو الروم أو هوازن ، أو هي ما أشرنا إليه آنفا من حلفاء خيبر (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) علما بأنها ستصير إليكم (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) أي قادرا على فتح البلاد وإيصال الغنائم وغير ذلك من الأمور التي لا يقدر عليها أحد إلّا بمشيئته وإرادته. ثم إنه تعالى يخبر رسوله بنبإ من أخباره الغيبيّة وهو قوله سبحانه : يا رسول الله اعلم ان كل من قاتلك فهو مغلوب ومنهزم.
٢٢ ـ (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) ... أي يا رسول الله اعلم أنه لو قاتلك الكفرة فهم المغلوبون المنهزمون سواء كانوا من قريش أو غيرهم. وهذه بشارة سارّة موجبة لترغيب عسكره في الجهاد والحرب وتوليتهم الأدبار تعني أنهم ينهزمون ويرجعون إلى الوراء من الخوف والرعب الذي يتعقّبه الموت (ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي محبّا يتودّد إليهم ويحرسهم ويدفع عنهم الحوادث والأضرار ولا ناصرا ينصرهم ويقيهم في الحوادث من الهلاك.
٢٣ ـ (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) ... أي عادة الله وديدنه ، قد جرت من قديم الأيّام وعصر كلّ نبيّ على تغليب أوليائه على أعدائهم وخذلان معانديهم. ونصب السّنة بناء على كونه مفعولا مطلقا للفعل المقدّر ، أي سنّ الله سنّة (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي تغييرا لا هو سبحانه يغيّرها ولا غيره بقدر على تبديلها.
* * *