فلذا اقترن دخولهم جميعا بالمشيئة حتى لا يلزم خلف وعده سبحانه. وقوله تعالى (آمِنِينَ) حال من فاعل (لَتَدْخُلُنَ) أي تدخلون في حال الأمن والأمان من شرّ كل ذي شر (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ) أي في حال تحلقون جميع رأسكم ، وهذا حال بعد حال (وَمُقَصِّرِينَ) بحلق بعض رأسكم أو تقليم ظفر من أظفاركم أو قصّ شواربكم (لا تَخافُونَ) حال مؤكّدة لقوله (آمِنِينَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) أي جعل وقرّر من قبل ذلك الفتح فتح خيبر وكان مقرونا بالوقوع وقوله فعلم ما لم تعلموا أو المراد بالموصول هو الصلاح والحكمة في تأخير دخول مكّة ، منها تحصيل الغنائم الكثيرة من قلاع خيبر التي صارت باعثة لتحصيل شوكتهم وشدّة قوّتهم الحربيّة ، وفي النتيجة وقع الرّعب كثيرا في قلوب أهل مكّة بحيث صاروا خائفين متواضعين للنبيّ (ص) وأصحابه حين دخولهم عليهم في مكة.
٢٨ ـ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) ... ثم إنّه سبحانه وتعالى تأكيدا لوعد فتح البلدان وتوطينا لنفوس أهل الإيمان وبشارة لغلبتهم على جميع أقاليم المشركين في مختلف الأوطان ، يقول (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي ليعلوا دين الإسلام وهو الحق لا غيره في عصره (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي على الأديان كلّها بالحجة والبراهين الواضحة. وعنهم عليهمالسلام : يكون ذلك عند خروج المهدي عجّل الله تعالى فرجه ، كما أن الكريمة الأخرى شاهدة على ذلك وذلك قوله تعالى (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) ، (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على ما وعده المؤمنين من القهر والغلبة على المشركين.
* * *
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ