فإن الآية المباركة نزلت تأديبا لهم وتعظيما له صلوات الله عليه (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) علّة للنّهيين لمخافة حبوط أعمالكم بلا شعور منكم بالحبط وعلّته.
٣ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ) ... أي يخفضون أصواتهم ولا يرفعونها عالية (عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) سواء كان ذلك عند ندائه أو أثناء مخاطبته عنده ، بل لو كانوا يتكلّمون بعضهم مع بعض لوجب أن يخفضوا له صلوات الله عليه أو لغيره أصواتهم : بالقول إجلالا وتكريما للنبيّ وتعظيما لحضرته السّامية (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) أي الذين يغضّون أصواتهم في محضر نبيّنا الأكرم هم الذين يتأدّبون بآدابنا وقد وجدناهم أهلا لأن نختارهم ونجعلهم من عبادنا المتّقين لأنّ قلوبهم لها ظرفيّة التقوى وأهليّتها ، وليس كلّ قلب له هذه القابليّة ، بل لكثير من النّاس قلوب لا يفقهون بها كقلوب البهائم التي لا تتّصف بصفة التقوى ولا تتحلّى بحليته. ونعم ما قال الشاعر الفارسي ما مضمونه : فالتّقوى جوهرة لا تقع في كلّ قلب. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) أي مغفرة لذنوبهم وأجر لطاعتهم ثم أخذ سبحانه ببيان بعض مثالبهم الأخر ومعايبهم التي لا يدركون أنّها عيب وشين فقال :
* * *
(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))