تحوّلت عمّا كانت عليه من البغي والعداوة (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) أي بلا مفاضلة بينهما في مقام الإصلاح وإلّا لم ينتج الإصلاح ، ولذا قيّد به الإصلاح الواقع بعد القتال لأنه مظنّة الجور والعدوان. وفي الكشّاف أنّ تقييد الإصلاح الثاني بالعدل دون الأول لأنّ المفروض أنّهما في الأوّل كلتاهما باغيتان فما يجب على المسلمين في هذه الصّورة هو الإصلاح بينهما بالمواعظ الشافية وإراءة طريق الحق والباطل حتى يسكن هيجانهما الموجب للطّغيان وبغي كلّ واحدة منهما على الأخرى وهذا هو المطلوب ولا يجوز مقاتلتهما لكنّه بخلاف الصورة الثانية فإنّ واحدة منهما باغية على الأخرى بخلاف الأخرى فيجب قتال الفئة الطاغية حتى ترجع إلى أمره تعالى فإذا رجعت فلا بدّ من الصّلح بينهما بالسويّة وبلا حيف على واحدة دون الأخرى ، فالمقام كان فيه مظنّة الحيف على الطائفة الباغية لذا قيّده بالعدل ، وهذا تمام مقالة الكشّاف. ولمّا كانت رعاية العدل في جميع الأمور مهمّة لازمة لان نظام مدار الأمور الدّينيّة والدّنيوية عليه ، فلذا هو سبحانه أشار بتعميمه فقال (وَأَقْسِطُوا) ، الآية أي اعدلوا في الأمور جميعا لأن قوامها به (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي العدلة لأن الله عادل فيحبّ العادلين ويرضى بأفعالهم ويجزيهم الجزاء الأوفى. والإقساط من القسط وهو الجور والعوج والانحراف ، فلمّا دخلت عليه همزة باب الأفعال وهي قد تجيء للسّلب والإزالة فأزيل عنه معناه (الاعوجاج) وسلب الاعوجاج هو عبارة أخرى عن (العدل والاستقامة).
١٠ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ... إنّ الله سبحانه حصر الأخوّة الدينيّة في المؤمنين للمشاركة في الطّينة لقول الباقر عليهالسلام : المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه ، لأن الله خلق المؤمنين من طينة الجنّة ، وأجرى في صورهم من ريح الجنّة. فلذلك هم إخوة لأب وأمّ أو للمشاركة في الصّفات أو في الانتساب إلى النّبي والوصيّ صلوات الله عليهما وعلى آلهما فقد ورد أنه