١٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا) ... أي اتّقوا (كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) تجنّبوا عن كثير من الظنّ ، وقيّد بالكثرة لأن منه ما يحسن كحسن الظنّ بالله وبأهل الخير والصّلاح لكنّه في مقابل الظّنون السيئة قليل من كثير. والمعنى : دعوا كثيرا من أفراد الظن واتركوها واعملوا بالقليل من أفراده بعد إقامة البراهين والإمارات الظاهرة على أنها من القسم المباح حيث إنّ الظنّ على أقسام أربعة : الأوّل واجب وهو الظنّ بالله ورسوله والصّالحين من عباده فإنه مأمور به ويعبّر عنه بحسن الظن بالله ورسوله والمؤمنين وقد جاء في الكتاب الكريم : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) وفي السنّة (إنّ حسن الظنّ من الإيمان). والثاني حرام وهو ظنّ السّوء بالله ورسوله والمؤمنين. والثالث مندوب إليه وهو الظنّ الغالب في الأمور الاجتهاديّة وهو المتّبع عند الأكابر العظام. والرابع المباح وهو الظنّ في الأمور الدّينية ومهمّاتها. وظنّ السّوء فيها أي حمل الظنّ على ظن السوء أو عدم العمل به فيها ، موجب للسّلامة من العقاب وباعث لانتظام الأمور الدّنيويّة ، ولذا أمرنا بالتوقف في أخبار الفاسق ولو حصل لنا الظنّ ، والتبيّن حتى يظهر لنا العلم بالواقع صدقا وكذبا ، فلا يعتنى بحصول الظنّ وعدمه. ويحتمل أن يكون (كَثِيراً) صفة للمقدّر وتقديره هكذا (اجتنبوا اجتنابا كثيرا من الظن) أي من جميع أقسامه إلّا ما خرج بالدّليل. وبناء على هذا (مِنَ) بيانيّة محضة وليس للتّبعيض. ووجه إبهام (كَثِيراً) وتنكيره بناء على الأوّل لأنه يفيد بعضيّة غير معيّنة يستلزم صدقها على كل واحد من أفراد الظنّ ، فلا بدّ من الاحتراز عن جميع الظّنون إلّا أن يظهر مطابقته للواقع. فإذا علم ذلك فيعمل على طبق معلومه. فرعاية الاحتياط بعدم الاعتماد على الظن طريق النّجاة. وفي رواية نبويّة شريفة : إيّاكم والظنّ فإن الظّن أكذب الحديث. ضو الله هو الهادي إلى الصواب (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) أي يستحقّ العقوبة عليه. فعلى هذا لا بدّ وأن يتأمّل فيما ظنّ به حتى ينكشف له المظنون فيعلم أنه