ما حكى الله تعالى عنهم ، بناء على أن تكون الجملة من كلام الغاوين. ويحتمل أن تكون من كلام المغوين فالكلام هو الكلام إلّا أن كثرة التردد تكون من ناحية الغاوين حتى يضلّوهم ويمنعوهم من اتّباع الرّسول. وعلى هذا يمكن أن يكون اليمين مستعارة للقوة والقهر بمعنى أنهم أجبروهم وقهروهم جبرا وقهرا وأدخلوهم في الضلالة ولذا قالوا لهم خطابا (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) كناية عن القوة والجبر.
٢٩ ـ (قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ...) يمكن أن يكون القائلون هم الغاوون ، ويحتمل أن يكونوا خصومهم ، والظاهر أن الجملة من المتبوعين والرؤساء فإنهم أجابوا التابعين بقولهم : ليس الأمر كما تزعمون بل لم تكونوا مؤمنين من أوّل الأمر ولم تكونوا على صراط الهداية والرّشاد حتى نكون نحن ممّن يضلكم فإن الأنبياء والرّسل كلما كانوا يدعونكم إلى الهدى كنتم مصرّين ومختارين للضلالة على الهداية والكفر على الإيمان.
٣٠ و ٣١ ـ (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ ...) أي لم تكن لنا قوّة وقدرة حتى نجبركم ونكرهكم على ما كنتم عليه من الضّلال بل كنتم مستمرّين عليه بالاختيار (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) مختارين للطّغيان والعصيان ومتجاوزين عن الحدود المقرّرة من الله ورسوله فلا لوم ولا عتاب علينا فقط بل عليكم وعلينا الإثم بما فعلنا (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا) أي وجب ولزم علينا قول الله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ) أو مطلق وعيده في كتابه الكريم كقوله (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) فقد وجب علينا العذاب و (إِنَّا لَذائِقُونَ) هم أكّدوا قولهم بأمور ثلاثة ، تبديل الفعلية بالاسميّة ، واللّام الدّاخلة عليها ، و (إن) المشدّدة. أي إنّا لذائقون العذاب قطعا. ثم إنهم بعد المجادلات والمخاصمات يعترفون بالإغواء فيقولون :
٣٢ ـ (فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ ...) أي لمّا كنّا في الضلالة أحببنا أن