لا يشتهون شيئا في الجنة إلّا أكرموا به. ولمّا ذكر مأكولهم وصف مساكنهم فقال :
٤٣ و ٤٤ ـ (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ...) أي منازلهم ومستقرّهم في البساتين التي إذا دخل الإنسان إليها كان رغيد العيش فارغ البال مرّفه الحال من جميع الجهات. فهم فيها الجنان متنعّمون بأنواع النّعم ، وهم (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) ولا يخفى أن الإنسان الذي من خصائصه اللاذّة الأنس إذا كان في قصر عال ، أو في بستان جامع لأنواع الفواكه وكان متمتّعا بأنواع النّعم ، ولكنّه مع هذه كلها إذا كان وحده بلا أنيس يركن قلبه إليه فعيشه ناقص غير مرفّه ، ولذا بيّن سبحانه أن أهل الجنّة متمتّعون بجميع النّعم حتى نعمة المؤانسة والمؤالفة لتسكن قلوبهم بنسائهم سواء كنّ من الأزواج أو الحور العين ، أو الخدم أو السدنة أو الأصدقاء أو الرفاق الدنيويّين الذين كان كلّ واحد منهم يأنس بالآخر ، فيقعدون في الجنّات على سررها متواجهين ، وهذا الجلوس أحسن أقسام الجلوس للتّرفيه والمؤانسة. وهذه حالة ثانية من حالاتهم :
٤٥ ـ (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ...) هي حالة أخرى ، فالحور العين ، وغلمان الجنّة يدورون عليهم بكؤوس من معين أي فيها خمر يجري أنهارا في أرض الجنّة أو يتدفّق من العيون. والمعين هو الماء العذب وصفت به لأنّها جارية كالماء الصّافي. والكأس هو الإناء من جنس القارورة أي الزجاج يستعمل غالبا في شرب الخمر. وليس خمر الآخرة كخمر الدنيا في اللّون ولا الطّعم ولا الخاصيّة ، فإن خمور الدنيا من خواصّها أنها تعرّض شاربها للخبال والتهوّع والصداع وإزالة العقل بخلاف الخمور الأخرويّة التي لونها كما وصفه الله تعالى :
٤٦ و ٤٧ ـ (بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ...) أي لذيذة لهم ، وهي هكذا من حيث اللّون والطّعم ، ثم إنها (لا فِيها غَوْلٌ) هي خالية من المفاسد