٢ ـ (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ ...) إضراب عمّا سبق ، أي ليس في القرآن نقص ولا قصور ، ولا ريب في إعجازه ، بل التقصير والعيب في الكفرة الذين هم في استكبار عن الحق وخلاف لله ورسوله ولذلك كفروا به وأخذتهم العزّة في الكفر والعناد.
٣ ـ (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ...) هذه الشريفة تهديد لهم على كفرهم ونفاقهم فقد دمّرنا الكثيرين قبلهم ممّن كفروا (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) أي نادوا باستغاثة وتضرّعوا حين نزول العذاب عليهم ولكن ليس الحين والوقت وقت مفرّ ولا يفيد في ذلك الوقت الندامة والرجوع لأنه وقت معاينة العذاب. وهو كقوله (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا) وقوله (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا) وأما لفظ (لاتَ) فقال سيبويه : إنّ لات هي (لا) المشبّهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على (رب) و (ثم) للتأكيد وبسبب هذه الزيادة اختصّت بأحكام : منها أنها لا تدخل إلا على الأحيان ، ومنها أنها لا يبرز الّا أحد جزأيها : إمّا الاسم وإمّا الخبر ، ويمتنع بروزهما جميعا. وقال الأخفش أنها (لا) النّافية للجنس زيدت عليها التاء ، وخصّت بنفي الأحيان و (حِينَ مَناصٍ) منصوب بها كأنك قلت : ولات حين مناص لهم ، وقد يرتفع بالابتداء ، أي : ولات حين مناص كائن لهم. والمناص المنجى والغوث ، وناصه ينوصه إذا أغاثه.
٤ ـ (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ...) قال الكفرة إن محمدا منّا وهو مساو لنا في الخلقة والشكل والنّسب ، يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق فكيف يختصّ من بيننا بهذا الأمر العظيم وهو من رهطنا وعشيرتنا؟ فاستنكفوا عن الدخول تحت طاعته والانقياد لأوامره ونواهيه. وما كان سبب هذا التعجّب منهم ، إلّا الحسد والكبر (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) وضع الظاهر فيه موضع الضمير غضبا عليهم وذمّا لهم وإشعارا