الآخرة. فقد اتّبع فقراؤهم اغنياءهم ولم يسمعوا لدعوتي (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) أي احتالوا في الدين احتيالا كبيرا جاوز الحد ، وقالوا فيه قولا عظيما واجترأوا على الله تعالى بالشّرك مرة وبالتكذيب به مرة (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) أي لا تدعوا عبادة الأصنام التي اتّخذتموها أربابا ، وقد ذكروا بعضها فقالوا : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) وهي بعض معبوداتهم من الأحجار ، وقد عبد بعضها العرب من بعدهم. وقيل إن هذه الأسماء كانت لصلحاء مؤمنين كانوا بين آدم ونوح عليهماالسلام وقد كان من بعدهم يقدسونهم ويتّبعون طريقتهم في العبادة ، فدخل إبليس ووسوس لهم أن يصوّروهم ليصيروا أنشط على العبادة ، ففعلوا واتخذوهم أصناما يعبدونها (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) أي حاد عن الحق بسبيلهم كثير من الناس. وهذا مثل قوله تعالى : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ)(وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) أي فلا تزدهم يا ربّ إلّا إهلاكا ، وهذا أيضا مثل قوله تعالى (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) ، أي في هلاك وعقوبة. فزدهم يا ربّ منعا عن الطاعات وانغماسا في المعاصي عقوبة لهم على الكفر والعناد فإنهم إذا فعلت بهم ذلك ومنعت عنهم ألطافك وعطاياك قد يمتثلون ويطيعون ويعودون إلى صوابهم. فهؤلاء الظالمون (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) أي من خطيئاتهم فإن (مِمَّا) هي (مِنْ) و «ما» المزيدة ، فمن أجل ما اقترفوه من الذنوب وارتكبوه من السيئات والكبائر (أُغْرِقُوا) بالطوفان على وجه العقوبة الدنيويّة (فَأُدْخِلُوا ناراً) في الآخرة ليعاقبوا عقاب الآخرة (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) أي فلم يجدوا أحدا يمنع عنهم سخط الله تعالى ويدفع عنه عقوبته وينصرهم لا في الدنيا ولا في الآخرة. وقد عبّر سبحانه بما يدل على الماضي والمقصود معنى المستقبل ، وهذا جائز ومعروف لصدق الوعد به ولحتميّة وقوعه.
* * *