في الآية نهي للمسلمين عن سبّ آلهة المشركين وعقائدهم ، وتنبيه إلى أن هذا قد يحملهم على المقابلة فيسبون الله تعالى بغيا وجهلا واندفاعا في العصبية والحمية الجاهلية. وتقرير بأن الله تعالى قد جبل الناس على طبيعة استحسان ما يعملون أو أن من مقتضى النظام الذي أقام الله عليه الاجتماع البشري أن يستحسن الناس ما يعملون ، وأن مرد الجميع إليه حيث ينبئهم بما عملوا ويوفيهم عليه بما استحقوا.
تعليق على جملة
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ)
وقد روى المفسرون أنه لما نزلت آية : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) الأنبياء : [٩٨] أنذر المشركون النبي صلىاللهعليهوسلم قائلين : لتكفن عن سب آلهتنا ولنشتمن إلهك فنزلت الآية (١). وهذه الآية من آيات سورة الأنبياء التي يأتي ترتيبها بعد هذه السورة بثماني عشرة سورة. وقد روى المفسرون أيضا أن بعض زعماء المشركين جاءوا إلى أبي طالب حينما حضرته الوفاة وطلبوا منه أن ينصح ابن أخيه بعدم سب آلهتهم في سياق طويل ، فلما يئسوا منه قالوا له : لتكفن عن سب آلهتنا أو نسب إلهك ، فنزلت الآية (٢). وأبو طالب توفي أواخر العهد المكي حيث يفرض أن سورة الأنعام نزلت قبل ذلك بأمد غير قصير ، ويضاف إلى هذا أن النهي موجه إلى المؤمنين عامة وليس للنبي صلىاللهعليهوسلم خاصة. ومهما يكن من أمر فالآية تدل بدون ريب على أن آلهة المشركين كانت تشتم ، وأن المشركين توعدوا بمقابلة الشتيمة بمثلها أو قابلوها فعلا ، والظاهر أنه كان يحتدم بين المؤمنين والمشركين نقاش ونزاع وأن المؤمنين كانوا ينالون من عقائد هؤلاء ومعبوداتهم سبّا وتحقيرا فيندفع هؤلاء بالحمية والعصبية إلى المقابلة فنهت الآية المسلمين عن ذلك.
ومع ما هناك من خصوصية زمنية فإن إطلاق النهي والتعليل في الآية ينطويان
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبرسي وابن كثير والخازن والبغوي.
(٢) المصدر نفسه.