بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» (١).
تعليق على الآية
(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ)
هذه الآية قد تكون متصلة بالموضوع الذي جاء في الآيات التي هي جزء من سلسلتها. وبسبيل التنبيه إلى وجوب الوقوف في استباحة المحظور في حالة الاضطرار في نطاق الضرورة. وبمعنى آخر بسبيل الاستدراك لما يمكن أن ينشأ عن إباحة المحظورات عند الاضطرار من سوء تأويل وتوسع فعلى المسلم أن يبتعد عن الإثم في سره وعلنه وظاهره وباطنه دون تأول وتوسع ومحاولة تبرير غير صادقة. وهذا تلقين جليل كما هو ظاهر ومستمر المدى ، كما أنه يزيل ما توهمه الآية من غرابتها على الموضوع والسياق. على أن إطلاق الأمر الرباني في الآية يجعلها جملة قائمة بذاتها أيضا. ولقد تعددت الأقوال التي يرويها الطبري وغيره في مدى (ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) عن أهل التأويل في صدر الإسلام. منها أن (الظاهر هو ما حرم الله من الأنكحة والباطن الزنا السري) ومنها (الظاهر هو كل ما عصي به الله وانتهكت به محارمه علنا ، والباطن كل ما كان من ذلك سرا). ونرى القول الثاني هو الأوجه المتساوق مع إطلاق العبارة. وعلى كل حال فالجملة تنطوي من ناحية الإطلاق على تلقين من أروع التلقينات وأجلها. فيه إيقاظ لضمير المسلم وتنبيه له إلى وجوب تجنب الإثم والبغي مطلقا وليس في حالة العلن التي قد يترتب عليها ضرر للشخص من الناس والسلطان فيجعله يمتنع من ذلك بل وفي حالة السر أيضا التي قد لا يترتب عليها مثل هذا الضرر المانع. ثم ليس بسبيل الانطباق على ظواهر الأمور وتأويل النصوص وحسب بل بسبيل حقائق الأمور ونيات القلوب أيضا. فإن كثيرا من الناس يحاولون إيجاد المخارج للتحلل من الحرام والآثام ويؤولون النصوص تأويلا متسقا مع أهوائهم أو تأويلا أوسع مما تتحمله النصوص. وقد
__________________
(١) التاج ج ١ ص ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥.