(٢) الرجس : هنا بمعنى الخزي.
ينطوي في الآيات تقرير بأن الإيمان والاهتداء إليه والضلال والانحراف عنه مسألة قلب ورغبة ؛ وبأن الناس صنفان منهم من طهر قلبه وحسنت نيته وصدقت رغبته في الاهتداء إلى الإيمان ، ومنهم من خبثت سريرته وانعدمت فيه الرغبة. فالله سبحانه يشرح صدر الأولين للإسلام حينما توجه الدعوة إليهم ، أما الآخرون فيكونون كمن يتكلف ارتقاء مرتفع عال حيث تضيق صدورهم وتتلاحق أنفاسهم ويعتريهم الاضطراب ولا يستجيبون للدعوة ولا يؤمنون فيحق عليهم الخزي والخذلان والعذاب. وإعلان بأن صراط الله قد بان واضحا مستقيما وأن الله تعالى قد فصّل الآيات للناس حتى ينتفع بها الذين يحبون أن يتدبروا ويتذكروا ويهتدوا فيستحقوا بذلك رضاء الله وينزلون عنده في دار السلام والطمأنينة ويكون وليهم وناصرهم بما قدموا وعملوا.
تعليق على جملة
(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ
يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً)
والآيات متصلة بسابقاتها ومعقبة عليها كما هو المتبادر ، وروحها ومضمونها يلهمان أن التأويل الذي أوّلناه بها هو الأوجه المتسق مع روح الآيات القرآنية عامة. وأنها ليست بسبيل تقرير أن الهدى والضلال حتم من الله على أناس بأعيانهم كما قد توهمه العبارة لأول وهلة ، والتنديد بغير المؤمنين وتقرير الرجس عليهم وإنذارهم والتنويه بالمؤمنين وتبشيرهم فيها ووصفهم بالمتذكرين قرائن حاسمة على ذلك. ولقد قررت آيات عديدة أن الله تعالى إنما يضل الفاسقين والظالمين ويهدي المنيبين إليه ، على ما أوردناه وشرحناه في مناسبات سابقة حيث يكون فيها قرائن حاسمة أخرى ومقيدة للإطلاق ويزول بها التوهم أيضا ويجب أن يذكر آية الزمر (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [٧] ففيها أيضا ضابط حاسم.
ومما يتبادر أن الآيات بالإضافة إلى ما شرحناه من تقريراتها قد استهدفت