تعليق على جملة
(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا)
لم نطلع في كتب التفسير التي اطلعنا عليها على بيان لمدى كلمة الشهداء في مقامها. وروح الآية تلهم أنهم أشخاص أحياء يمكن أن يستشهد بهم وأن يشهدوا ، وتلهم أن لهم صفة دينية ما تسوغ لهم الشهادة في الأمور والتقاليد الدينية والفصل في مشاكلها ويستشهد بهم فيها. والذي يتبادر لنا أنهم إما أن يكونوا من اليهود في معرض الاستشهاد على ما عندهم. وقد قلنا قبل قليل في سياق تفسير الآيتين السابقتين إن من المحتمل أن يكون المشركون قد احتجوا بهم. ولقد كان في مكة بعض أفراد من الإسرائيليين على ما تفيده آية وردت في سورة الأحقاف وهي هذه : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)) وإما أن يكونوا سدنة الأصنام أو سدنة الكعبة أو أناسا كان لهم صفة أو مركز ديني عند العرب يرجع إليهم في الشؤون والمشاكل الدينية مما هو مألوف في كل ملة ونحلة.
ولقد ذكرت الروايات (١) أنه كان في مكة طبقة خاصة تسمى الأحماس يعترف العرب لها بالامتياز وكانت تسنّ بعض السنن والعادات فيسير الناس عليها. ونحن نميل إلى أن الآية قد عنت هذه الطبقة أكثر مما عنت اليهود. وفي الآية قرينة على هذا الترجيح حيث انطوى فيها توقع شهادة الشهداء بما يؤيد مزاعم المشركين وتقاليدهم والله أعلم.
(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في كشاف الزمخشري والجزء الخامس من تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي ص ٢٢٤ ـ ٢٢٨ وكتابنا عصر النبي صلىاللهعليهوسلم وبيئته قبل البعثة ص ١٩٤ ـ ١٩٥.