وهناك حديث رواه مسلم والترمذي عن جرير بن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم يمكن أن يورد لتدعيم هذا القول قال : «قال النبي صلىاللهعليهوسلم من سنّ في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء» (١). حيث يفيد الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يغب عنه احتمال تطور حياة المسلمين وإحداثهم أمورا لم تكن في عهده ولم يأمر ولم ينه عنها وإنه لم ير بأسا أن يستن المسلمون سننا حسنة فيها صالحهم الخاص والعام لأفرادهم وجماعاتهم وحكوماتهم وعلى مختلف الوجوه وليس فيها مخالفة للكتاب والسنة بوجه ما بل حبذها وشجع عليها وقرر الأجر الدائم لمستنّها. وإن البدع التي عنادها وندد بها في الأحاديث السابقة هي ما كانت سننا سيئة محدثة مخالفة للكتاب والسنة بوجه ما وفيها ضرر وضلالة في الدين والدنيا ، والله تعالى أعلم.
تعليق على الآية
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)
جاءت هذه الآية معقبة على ما سبقها من إنذار وتنديد. وجاءت في الوقت نفسه مطلقة العبارة ليكون فيها حثّ وتشجيع دائمان على الأعمال الحسنة ونهي وتحذير دائمان من الأعمال السيئة ، مع تمثل رحمة الله وإحسانه وعدله في زيادة أجر المحسنين وعدم زيادة وزر المسيئين.
ولقد احتوت سورة القصص التي سبق تفسيرها آية مماثلة مع فرق هو أن آية القصص ذكرت بالنسبة لعامل الحسنة (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) (القصص / ٨٤) وهذه ذكرت (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) حيث ينطوي في هذا تنوع في أسلوب الحث والتحذير اقتضته حكمة التنزيل وصورة من صوره. وفي سور أخرى صور أخرى من ذلك
__________________
(١) التاج ج ١ ص ٦٦.