ابن عباس وهو أن معنى الآية : «حتى إذا يئس الرسل من أن يستجيب قومهم لهم وظنّ قومهم أن رسلهم قد كذبوا عليهم بما أوعدوهم به من عذاب» ومنها تأويل آخر عن ابن عباس أيضا : «حتى إذا يئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا (بفتح الكاف) بما وعدوا به الكافرين والمؤمنين من عذاب للأولين ونجاة للآخرين بسبب إبطاء الله تعالى في تحقيق ذلك».
وعلل ابن عباس حسب الرواية موقف الرسل هذا بأنه مظهر من مظاهر الضعف البشري. ومن التأويلات تأويل مرويّ عن عائشة : «حتى إذا يئس الرسل وظنّ من آمن بهم من قومهم أنهم كذبوا عليهم بسبب تأخر ما وعدوا به». وعللت عائشة حسب الرواية تأويلها بتنزيه الرسل عن الظن بأن الله أخلف بما وعدهم. ومن التأويلات تأويل عن الحسن : «أن الرسل لما يئسوا من قومهم واستيقنوا من تكذيبهم لهم أنهم لا يرجى منهم إيمان وخير أرسل الله عليهم عذابه فنجّى المؤمنون وأهلك المجرمون». ونحن نرى هذا التأويل أوجه التأويلات. وقد فسر الحسن كلمة (ظنوا) بمعنى (استيقنوا) وهو صواب يزول به على ما يتبادر لنا الإشكال الذي يبدو أن المؤولين رأوه في الآية. وعلماء اللغة يقررون أن فعل (ظن) يأتي بمعنى (أيقن) ، وقد جاء في هذا المعنى في سورة الكهف (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) (٥٣).
وهكذا تكون الآية قد احتوت تقرير سنة الله تعالى من أنبيائه وأقوامهم ، فقد كان معظم الأنبياء يدعون أقوامهم وظل معظم أقوامهم يقابلون الدعوة بالعناد والمناوأة فكان كل ما انقطع أمل الرسل من ارعواء أقوامهم واستيقنوا أنهم لن يلقوا من قومهم إلّا التكذيب جاءهم نصر الله فكان فيه تدمير المجرمين المكذبين ونجاة الرسل والمؤمنين. وهذه الصورة هي غالبية صور الأنبياء وأقوامهم كما حكاها القرآن مكررا في سور عديدة.
وتكون الآية بذلك متصلة هي الأخرى بالسياق السابق ، ومعقبة عليه وفيها تطمين وتثبيت وبشرى للنبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين وإنذار للكافرين المكذبين المجرمين.