لتستن أمته بسنته. ومنها أنها بمعنى استغفر لذنوب أهل بيتك ومنها أن اشتغاله بأمر الناس كان يشغله عن التفرغ لعبادة الله فكان هذا عنده تقصيرا أو ذنبا من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولقد أورد المفسرون حديثا جاء فيه : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنّه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كلّ يوم مائة مرة» (١). وفسروا الغين بالغيم الرقيق الذي يغشى السماء وفسروه بالنسبة للنبي صلىاللهعليهوسلم بالفترات والغفلات فكان يعتبر ذلك ذنبا نحو الله تعالى ويستغفره منه. وهذا أوجه التخريجات. ولقد خطر ببالنا تخريج آخر نرجو أن يكون صوابا. وهو أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان أحيانا يأمر بشيء أو ينهى عن شيء أو يفعل شيئا اجتهادا منه بغير وحي ويكون ذلك أحيانا غير الأولى في علم الله ويعاتب عليه في القرآن مما مرّ منه بعض الأمثلة فكان يستغفر الله تعالى ويؤمر بالاستغفار لنفسه من مثل ذلك. ومن هذا الباب آيات سورة النساء هذه : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧)) وليس هذا ولا ما ورد في التخريج السابق من الغين ذنبا فيه تقصير في حق الله تعالى أو انحراف عن أوامره مما يجب الاعتقاد بعصمته منه صلىاللهعليهوسلم.
وبالإضافة إلى الحديث السابق أورد المفسرون أحاديث عديدة في صدد استغفار النبي صلىاللهعليهوسلم لنفسه فيها حديث عن أبي هريرة جاء فيه : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرّة. وفي رواية أكثر من سبعين مرة» (٢). وحديث عن ابن عمر قال : «إن كنا لنعدّ لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في المجلس الواحد مائة مرة قوله ربّ اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التوّاب الرحيم» (٣). وحديث جاء فيه : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في آخر الصلاة : اللهمّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به
__________________
(١) روى هذا الحديث مسلم وأبو داود. انظر التاج ج ٥ ص ١٣٥.
(٢) روى هذا الحديث بالصيغة الأولى فقط البخاري. انظر التاج ج ٥ ص ١٣٥.
(٣) روى هذا أبو داود والترمذي انظر التاج ج ٥ ص ١٣٥.