المواقف على سبيل التحدي والمكابرة وهو ما نرجحه بدليل آيات وردت في سورة الشعراء التي سبق تفسيرها ، فيها شيء ما مما في هذه الآية وهي : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩)) وقبل هذه الآيات جاءت الآيات [١٩٣ ـ ١٩٥] ، تقرر أن الله أنزل القرآن بلسان عربي مبين ، كأنما احتوت تعليلا لإنزاله باللسان العربي دون اللسان الأعجمي.
وفي سورة إبراهيم التي نزلت بعد هذه السورة بمدة ما آية جاء فيها (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) حيث يمكن أن يكون قد بدأ اعتراض آخر مماثل منهم فاقتضت حكمة التنزيل أنزل هذه الآية محتوية على توكيد آخر لهذا التعليل ، وحيث يمكن أن فيها تدعيم لما استلهمناه من الآية التي نحن في صددها.
ولقد قال بعض المفسرين إن الجملة بمعنى أنه لو نزل القرآن أعجمي اللغة لاعترضوا أيضا وقالوا كيف ينزل.
تعليق على جملة
(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)
والتقرير الذي احتوته جملة (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) هو في صدد كون القرآن في محكماته وأحكامه وأهدافه ومبادئه وتلقيناته متساوق كل التساوق كله حق ليس فيه أي تناقض ولا اختلاف فضلا عن أنه مبرأ من كل باطل أو شبهة باطل. وكل من أنعم النظر في فصوله بأناة وتدبر ومقارنة ومقابلة وربط بعض فصوله ببعض وتفسير بعض فصوله ببعض وكان منصفا بعيدا عن الهوى والمكابرة يظهر على هذه المعجزة العظمى التي تقررها هذه الجملة. وفي سورة النساء هذه الآية : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢)) حيث ينطوي فيها توكيد تقريري آخر فيه معنى التحدي مع الوثوق بصحة التقرير.
وقد يكون في الفصول المتشابهة والوسائلية من قصص ومشاهد كونية وأخروية وغيبية شيء من التنوع والتباين أو ما لا يدركه عقل الإنسان ولكن ذلك لا يمكن أن ينطبق عليه وصف باطل قط. وإنما جاء بالأسلوب الذي اقتضته حكمة التنزيل لتحقيق