(لَعَلَّكُمْ) موجّه للسامعين العرب ومهيب بهم إلى تدبر آيات القرآن الذي أنزله الله بلسانهم وفهمه والاهتداء به. والمتبادر من جملة (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) أنها توكيد لما قررته آية سورة يونس : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦)) وآية سورة القصص : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦)) على ما شرحناه في سياق تفسير السورتين شرحا يغني عن التكرار. ولقد قال بعض المفسرين (١) إن الآية تعني قصة يوسف التي كان النبي صلىاللهعليهوسلم غافلا عنها. غير أن ضمير «قبله» عائد إلى القرآن كما يتبادر ويكون تأويلنا هو الأوجه ، وقد قال به غير واحد من المفسرين أيضا (٢).
والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآيات الثلاث مدنية وهو غريب لأنها جاءت تمهيدا لقصة يوسف وفي الآيات المكية آيات مماثلة لها تماما ، ولا تظهر حكمة مدنيتها. ولم نر في كتب التفسير التي اطلعنا عليها تأييدا لهذه الرواية. ولذلك نشك في صحتها ولقد ذكر هذه الرواية السيوطي في الإتقان وقال إنها واهية جدا.
تعليق على ما روي من أسباب نزول الآيات
واستطراد إلى مسألة أخذ العلم عن الغير
وفي كتب التفسير أحاديث عديدة في سبب نزول الآيات مفادها أن بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا يطلبون منه أن يحدثهم فوق الحديث ودون القرآن فأنزل الله الآيات منبها إلى أن ما يرد في القرآن هو أحسن القصص وأن الله قد أنزله بلسانهم ليعقلوه.
وجملة (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) لا تتسق مع هذه الأحاديث
__________________
(١) انظر تفسير الخازن مثلا.
(٢) انظر تفسير الطبري والبغوي والطبرسي.