وهذا لا يمنع بالطبع أن يكون في الآيتين إشارة إلى شخص وقف موقفا جدليا تعجيزيا قبل نزول السورة ؛ فكان ذلك مناسبة لهذه الإشارة.
ولقد انطوى في الآيتين ، مع خصوصيتهما الزمنية ، تلقين قوي مستمر المدى والشمول بتقبيح من يتّصف بالصفات المذكورة فيهما ، وتقبيح هذه الصفات والحثّ على اجتنابها مما تكرر في مناسبات عديدة مماثلة.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)) [٥ ـ ٧]
(١) مضغة : قطعة اللحم التي تتطور من العلقة والنطفة.
(٢) مخلّقة وغير مخلّقة : قال المفسرون : إن المخلّقة هي المضغة التي تتشكل جنينا ، وغير المخلقة هي التي تسقط من الرحم دون أن تتشكّل.
(٣) ربت : نمت وتفتحت.
في هذه الآيات خطاب للناس بسبيل البرهنة على البعث بعد الموت : فإذا كانوا في ريب من ذلك فعليهم :
١ ـ أن يفكروا في نشأتهم وأطوارها. فقد خلق الله أوّلهم من تراب ثم جعلهم يتناسلون عن طريق النطفة ، حيث تتطور النطفة إلى علقة دم ، والعلقة إلى مضغة لحم ، ومن المضغ ما يسقط قبل أن تتخلّق ، ومنها ما يستقر في الرحم