فتتخلّق على صورة الإنسان وتبقى إلى مدة معينة ، ثم طفلا ثم يبلغ أشدّه من القوّة والتمييز. ومن الناس من يتوفّون من قبل أن يمتدّ بهم العمر ، ومنهم من يمتدّ بهم فيضعفون بعد قوة ويفقدون وعيهم بعد التمييز ، حتى لا يكادون يعلمون شيئا مما كانوا يعلمونه. ففي هذا بيان لهم ومثال على عظيم قدرة الله.
٢ ـ وعليهم أن يفكروا في الأرض فإنّها تكون هامدة جامدة ، فإذا ما أنزل الله عليها الماء ، اهتزت ونفشت وتفتحت وأنبتت النباتات المتنوعة البهيجة.
ففي هذا وذاك ما من شأنه أن يقنعهم بأن الله هو الحقّ ، وأنه لا يمكن أن يكون خلق الخلق إلّا بالحق ، وأنه قادر على كلّ شيء ، وأنه قادر بطبيعة الحال على إحياء الموتى ثانية. وبأن ما أخبر به رسوله من مجيء الساعة وبعث من في القبور إلى الحياة حق لا ريب فيه.
والآيات غير منقطعة الصلة بالآيات السابقة ؛ حيث ما تزال تهتف بالناس. فقد بدأت السورة بإنذارهم بزلزلة الساعة والإهابة لهم لتقوى الله ، وعقبت بذكر فئات الناس الذين يجادلون في الله ، فجاءت هذه الآيات تقيم للناس البرهان على قيام الساعة ، وسخف المجادلين في الله وضلالهم بما يرونه في أنفسهم وفي الأرض.
وهذا الأسلوب بل وهذه المعاني والأمثلة لإقناع الناس بالبعث وقدرة الله عليه وحكمته ، مما تكرر في القرآن كثيرا في مناسبات حكاية مواقف الجدل التي كانت تتكرر كثيرا في الموضوع ، والتي كانت مسألة البعث بعد الموت من أهمّ مواضيعها ومثيراتها. وقد يكون في الآيات دلالة على أنها وما قبلها نزلت في موقف من هذه المواقف.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات عدّة أحاديث. منها حديث عزاه إلى البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال : «حدّثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو الصادق المصدوق ، أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات ،