معناها من الرعاية والمراعاة وبين مشابههما اللفظي وهو (الرعونة) فكانوا حينما يسمعون المسلمين يخاطبون النبي صلىاللهعليهوسلم به وهو من أساليب الخطاب المعتادة يتخذون ذلك موضوع تفكه وسخرية ، فأمرتهم الآية الأولى بالكف عن استعمال هذا اللفظ واستعمال اللفظ البديل وهو انظر إلينا. والرواية لم ترد في كتب الصحاح ولكن روح الآية قد يفيد احتمال صحتها. وفي سورة النساء آية تذكر أن اليهود كانوا يخاطبون النبي صلىاللهعليهوسلم بلفظ (راعنا) ويلوون به ألسنتهم ليؤدي ما يعنون حقا من الغمز والسخرية والنعت بالرعونة وهي هذه : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً (٤٦)). ومما روي أن سعد بن معاذ زعيم الأوس انتبه إلى خبث اليهود ومقصدهم من ترديد الكلمة فقال لهم : يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لأضربنّ عنقه. فقالوا له : ألستم أنتم تقولونها له؟.
وقد روى المفسّرون (١) في صدد الآية الثالثة أي الآية [١٠٦] أن المشركين أو اليهود كانوا يغمزون النبي صلىاللهعليهوسلم ويثيرون الشك في المسلمين نحوه بقولهم : إنه يأمر بالشيء ثم ينهى عنه وأن هذا ليس هو شأن الأنبياء. فاحتوت الآية ردا عليهم حيث تضمنت تقريرا ربانيا بأنه ليس من غير الجائز لله أن ينسخ آية بآية أو يؤجل حكما ويبدله بآخر أو ينسي أحدا آية من آياته بقصد نسخها ورفعها. فإن له ملك السموات والأرض وله الأمر من قبل ومن بعد. ولقد يأمر في وقت بأمر ثم ينسخه أو يستبدل به آخر أو ينسيه تبعا لمقتضيات الحوادث والظروف. وهو شيء طبيعي لا ينبغي أن يكون محلا للاستغراب ولا مجالا للدس ، والسامع يعلم أو النبي صلىاللهعليهوسلم يعلم أن الله له ملك السموات والأرض وهو على كل شيء قدير ، وليس لأحد من دونه ولي ولا نصير ؛ وقد جاء هذا بصيغة السؤال الذي يتضمن التقرير والتوكيد.
__________________
(١) انظر تفسير الآية في تفسير الخازن والنسفي والقاسمي.