وهذه الرواية لم ترد كذلك في الصحاح ولكنها متسقة مع فحوى الآية ، مع التنبيه على أن رواية كون الغمز من اليهود أوجه من كونه من المشركين ، فلم يكن في المدينة مشركون يجرؤون على مواجهة النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك ، وفي شرح الآيات التالية ما يدعم ما قلناه إن شاء الله.
ويتبادر لنا أنه جرى في ظروف نزول هذه الفصول حادث ما من نسخ أو تبديل أو إنساء في أوامر النبي صلىاللهعليهوسلم أو آيات القرآن فنشأ عنه بعض القيل والقال ووجد اليهود فيه مجالا للدس والتشكيك فاحتوت الآية ردا وتنديدا. وننبه على أننا لم نطلع فيما اطلعنا عليه على رواية في حادث معين بالذات ولما كانت السلسلة التالية لهذه الآيات تحتوي في قسمها الأخير أي الآيات [١٤٢ ـ ١٥٠] إشارة إلى تبديل سمت القبلة عن المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وإلى ما كان بسبب ذلك من اعتراض اليهود ودسهم فمما يرد على البال أن يكون بين ما احتوته الآية وبين هذا الحادث صلة ما. ولا ندري إذا كان تعبير (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) مما يمكن أن يضعف هذا الخاطر. غير أن الأسلوب القرآني من جهة والإطلاق في التعبير من جهة أخرى قد يساعدان على تصويبه. وهذا بالإضافة إلى أن علماء القرآن يعتبرون تبديل سمت القبلة مما يدخل في نطاق المنسوخات القرآنية (١).
وقد روى بعض المفسرين أن الآية [١٠٨] موجهة إلى اليهود لأنهم طلبوا من النبي صلىاللهعليهوسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء (٢) وروى بعضهم أنها موجهة إلى المشركين الذين سألوا أن يأتيهم النبي بالله والملائكة وأن يفجر لهم الأنهار ويجعل جبل الصفا ذهبا (٢). وروى بعضهم أنها موجهة إلى المسلمين لأن واحدا منهم
__________________
(١) انظر الإتقان للسيوطي ج ٢ ص ٢٢ ، وانظر أيضا تفسير الآية في تفسير الطبري وابن كثير فهما يذكران أن تبديل سمت القبلة من النسخ. ومما رواه الطبري عن ابن عباس قوله : «كان أول ما نسخ القرآن القبلة».
(٢) انظر كتب تفسير الطبري والطبرسي والخازن وابن كثير ومنهم من أورد جميع الروايات ومنهم من أورد بعضها. والجواب المأثور عن النبي صلىاللهعليهوسلم منقول من تفسير الطبري برواية أبي العالية.