الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات والإفاضة منها والإفاضة من المزدلفة ورمي الجمار في منى (وهي الحصيات التي تقذف على أنصاب حجرية في منى) ومحل ذبح القرابين إلخ إلخ ... وأن كل هذا مما أنشأه بدءا إبراهيم (عليهالسلام). وأوردوا بيانات في أسباب ذلك وكيفيته معزوة إليهم وقد أجّلنا تلخيص ذلك وشرح هذه المناسك إلى مناسبات أكثر ملاءمة في هذه السورة.
وواضح أن في كل ما تقدم تدعيما لنبوة النبي محمد صلىاللهعليهوسلم ولفضل الكعبة ومنطقتها. وفي الوقت نفسه تدعيما وتبريرا لحادث تبديل اتجاه القبلة عن المسجد الأقصى إلى الكعبة وهو ما تضمنته آيات سابقة على ما نبهنا عليه وما تضمنته آيات أخرى آتية بعد قليل. وفيه كذلك ردّ على اليهود الذين حاولوا التشويش والتشكيك والدسّ في ظرف ذلك الحادث الذي أثار غيظهم على ما سوف يأتي شرحه.
ولعل لجملة (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) في مقامها معنى هاما في صدد تبديل القبلة حيث انطوى فيها إشارة إلى صلة إبراهيم بالكعبة وأثره عندها الذي كان قبل البعثة وما زال في إبانها مشهودا مشهورا باسم مقام إبراهيم وتبريرا بكونها هي الأولى باتخاذها قبلة ، فضلا عن ما في تقرير كون إبراهيم وإسماعيل هما اللذان رفعا قواعدها من كل ذلك. ولقد خطر لنا خاطر نرجو أن يكون صوابا إن شاء الله وهو احتمال أن يكون الأمر المنطوي في الجملة تعبيرا آخر لاتخاذ الكعبة قبلة لأنها كانت من إنشاء إبراهيم وكان مقامه عندها مشهودا مشهورا والله أعلم.
هذا ، وفي الآيات تلقينات مستمرة المدى ، منها ما احتوته جملة (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) من تقرير بأن الله تعالى لا يمكن أن يرضى عن الظلم الذي يتجسد في البغي والجور والعدوان والانحراف عن جادة الله وشرائعه ، ولا عن إمامة ظالم وحكمه ، وبأنه لا يصح أن يكون لظالم عهد ، وبأن انتسابه إلى آباء صالحين لا يبرر شيئا من ذلك.
ومنها ما احتوته جملة (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) من تقرير كون تمتع الكافر بالدنيا لا يتنافى مع الحكمة الربانية ولا يصح