فأعلن إسلام نفسه لله رب العالمين ووصى بنيه بأن لا يكون لهم طريق وخطة غير ذلك حتى الموت. وفعل مثله يعقوب أيضا حيث جمع بنيه عند موته وسألهم عما يعبدون بعده فأجابوه وعاهدوه على أن لا يعبدوا إلا إله آبائه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق موحدين له غير مشركين به وأن يكونوا دائما مسلمي أنفسهم إليه.
وفي الآية الرابعة إشارة فيها تنويه وإنذار معا : فهؤلاء أمة مضت في سبيلها ، لها ما كسبت ولمن جاء بعدها وسامعي القرآن ما كسبوه. ولا يسأل أحد عن عمل أحد وإنما يسأل كل امرئ عن نفسه.
وفي الآية الخامسة حكاية لقول قائلين بأن على من يريد الهدى أن يكون يهوديا أو نصرانيا وأمر للنبي صلىاللهعليهوسلم بالرد عليهم بأن على من يريد الهدى أن يسير على ملة إبراهيم الذي كان مخلصا مستقيما والذي لم يكن مشركا أحدا مع الله.
ولقد روى الطبرسي أن الآية الأولى نزلت في مناسبة دعوة عبد الله بن سلام ابني أخيه إلى الإسلام وقوله لهما إن صفة محمد في التوراة فأسلم الأول وأبى الثاني. وروى الطبري أن الآية الأخيرة نزلت في مناسبة قول ابن صوريا وغيره من اليهود للنبي اتبعنا فما نحن عليه هو الهدى وقول جماعة من النصارى له مثل ذلك. ولم يرد شيء من ذلك في ذلك. ونحن نرجح أن الآيات هي في صدد مواقف اليهود وأقوالهم واستمرارا للسياق وأن ذكر النصارى جاء استطرادا هنا إما لأن القول صدر عن بعضهم في موقف ما وإما لأنه حكاية حال صادقة عن الذين لم يؤمنوا بالرسالة المحمدية منهم ، وأن الآيات استهدفت نفس أهداف الآيات السابقة لها.
وذكر إبراهيم ويعقوب في الآيات أولا ونص الآية [١٣٣] ثانيا يدعمان ذلك ويلهمان أنها هدفت إلى إحباط تبجح اليهود والتنديد بهم ، فطريقة آبائهم هي الإسلام وقد وصى الآباء بها الأبناء ، ولن يقضي عنهم كونهم متصلين بهم بالنسب ما داموا منحرفين عنها. وفي الآية [١٣٤] توكيد لذلك في شكل حكاية لما كانوا يقولونه والرد عليهم بأن الطريق الحق ليست اليهودية وليست النصرانية. وإنما ملّة