والآيات تبدو فيما احتوته فصلا جديدا لا صلة له بالسياق السابق موضوعيا. وقد تكرر هذا في سورة البقرة والسور المدنية الطويلة الأخرى على ما شرحناه في مقدمة تفسير السورة. ومع ذلك فقد تكون حكمة وضع هذا الفصل في مكانه في ترتيب آيات السورة في الآيات التي قبلها مباشرة التي خوطب بها المسلمون وطلب منهم الشكر وعدم الكفر ووعدوا بإتمام نعمة الله عليهم. وإذا صح هذا الفرض ونرجو أن يكون صحيحا فيكون فيه صورة من صور تأليف السور المدنية ووضع آياتها فصلا بعد فصل في مناسبات ملائمة ، وهذا لا يمنع من احتمال أن تكون هذه الآيات نزلت بعد سابقاتها مباشرة فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بوضعها بعدها.
تعليق على الآية
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ...)
وما بعدها [١٥٣ ـ ١٥٧] وما فيها من تلقين
وقد روى بعض المفسرين (١) أن الآيات نزلت لتسكين روع المؤمنين وتثبيتهم في فاجعتهم في شهداء بدر وأحد والروايات لم ترد في الصحاح. وروح الآيات وصيغتها تلهم أنها نزلت حقا في صدد تطمين المؤمنين وتسكينهم في حادث استشهاد بعضهم. غير أننا إذا لحظنا أن المؤمنين في غزوة بدر كانوا منتصرين فرحين بنصر الله وأن أخبارها نزلت في سورة الأنفال وأن أخبار غزوة أحد وأحزان المسلمين بما كان في فاجعتهم فيها نزلت في سورة آل عمران ، ساغ لنا أن نتردد في احتمال صلة هذه الآيات بإحدى الغزوتين. والذي نرجحه أنها في صدد استشهاد بعض المؤمنين في الحركات الحربية التي أخذت تنشب بين المؤمنين وقريش بعد قليل من الهجرة وقبل واقعة بدر (٢). وفي سورة البقرة بعض آيات متصلة بذلك سوف تأتي بعد قليل.
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والخازن.
(٢) انظر الطبقات لابن سعد ج ٣ ص ٤٤ ـ ٤٩ حيث ذكر فيها أخبار وقائع حربية بين المهاجرين وأهل مكة قبل واقعة بدر.