وفحوى الآية الثالثة في مقامها قد يفيد أن صفة الكفر تلصق بالذين يكتمون ما أنزل الله في كتابه والله أعلم.
والاستثناء الوارد في الآية الثانية جليل التلقين ومن حكمته الملموحة أن يكون وسيلة إلى حمل الكاتم على الارعواء ، فإذا ما كتم عالم ما عنده من علم الله وكتابه وأسباب الهدى إليه استحقّ اللعنة الشاملة ، فإذا ما ارعوى وندم وتاب تاب الله عليه.
وفي الآيات توكيد أو تأييد لما نبهنا عليه أكثر من مرة في مناسبات سابقة من أن ما احتوته آيات القرآن من حملات شديدة على الكفار وما وصفتهم بها من قوة القلب وعمى البصيرة وعدم الاهتداء واستحقاقهم لعنة الله إنما هو تسجيل لواقع أمرهم حين نزولها وأنه إنما يظل واردا ولازما بالنسبة للذين ماتوا وهم كفار.
استطراد إلى موضوع
لعن الكفار وغيرهم
ولقد وقف المفسرون عند هذه الآيات ، فمنهم من أجاز لعن الكفار عامة في الحياة بعد الممات بدون تعيين ، ومنع لعن كافر بعينه لأنه لا يعلم إلا الله ما إذا كان تاب قبل الموت فصار في نطاق الاستثناء الذي جاء في الآية الثانية. وقاس على ذلك الظالمين والكاذبين والمنافقين والفاسقين. ومنهم من أجاز لعن كافر بعينه إذا ما كان متيقنا من كفره عند لعنه لأنه يكون مستحقا للعن وقاس على ذلك الظالمين والكاذبين والمنافقين والفاسقين بأعيانهم. ويتبادر لنا أن الرأي الأول هو الأوجه. لأن المرء لا يعلم حالة الناس وسرائرهم علما يقينيا يجعله على يقين بأن الذي يلعنه منهم بعينه مستحق للعنة حقا. وهناك أحاديث نبوية نراها تدعم هذا الرأي من ذلك حديث رواه الخمسة عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من قذف مؤمنا بكفر فهو كمن قتله» (١). وحديث رواه البخاري عن أنس جاء فيه : «لم يكن
__________________
(١) التاج ج ٥ ص ٣٣ و ٣٤.