وأصحابه (رضي الله عنهم) الذين آمنوا وهجروا وطنهم وتخلّوا عن أموالهم ومساكنهم وعشائرهم وذوي أرحامهم في سبيل الله ودينه رجاء رحمته دون أن يكون لهم من وراء ذلك مأرب خاص إلا نصرة الله وإعلاء كلمته.
حكم المرتد عن دينه من المسلمين
وبمناسبة ما جاء في الآية الأولى من الآيتين من إنذار للذين يرتدون عن دينهم من المؤمنين ويموتون كفارا نقول إن عقوبة هؤلاء لم تبق في الشرع الإسلامي أخروية وحسب فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم تشريع دنيوي واجب الاتباع لأنه مما سكت عنه القرآن من ذلك حديث رواه الخمسة عن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيّب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة» (١). وحديث رواه البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من بدّل دينه فاقتلوه» (٢).
والجمهور على وجوب استتابة المرتدّ وأنه لا يقتل إلّا إذا أبى التوبة وأصرّ على الارتداد وهذا هو الحق والصواب والمتسق مع تلقينات القرآن في صدد التوبة على ما شرحناه في تعليقنا عليها في سورة البروج.
ولقد ذهب الإمام مالك إلى أن الزنادقة لا يستتابون لأنهم إذا تابوا كانوا كاذبين في توبتهم (٣). ونحن نرى الاستتابة واجبة بالنسبة للجميع فالله تعالى هو وحده عالم ما في القلوب ولا يجوز إزهاق النفس بالتخمين مهما كان محتملا. وليس من سبيل على من يقول إني مسلم وإني تائب بقطع النظر عمّا في قلبه على ما جاء في آية سورة النساء [٩٤] التي سوف يأتي شرحها بعد.
ولقد روى الإمام مالك عن عبد القاري أنه قال : «قدم على عمر بن الخطاب
__________________
(١) التاج ج ١ ص ١٧.
(٢) التاج ج ٣ ص ١٧.
(٣) الموطأ ج ٢ ص ١٦٥.