وجاهة فإنه يتبادر لنا أن الجملة أوسع مدى بحيث تنيط استشهاد الشهود بثقة المستشهدين ورضائهم النفسي والقلبي.
٨ ـ وكلمة (مِنْ رِجالِكُمْ) في صفة الشهود تفيد وجوب اختيارهم من المسلمين مع توفر العدالة وطمأنينة صاحب المصلحة. ولقد روى المفسرون أقوالا في شمول العبارة للأرقاء المسلمين. حيث قال بعضهم بالشمول وبعضهم حصر الشهادة في أحرار المسلمين. ويتبادر لنا أن القول الأول هو الأوجه فقد خاطب القرآن المؤمنين بكل ما يتصل بشؤون الدين والدنيا بدون تمييز بين الأرقاء والأحرار. واعتبرهم جميعا بعضهم من بعضهم وبعضهم أولياء بعض في آيات عديدة مثل آية سورة آل عمران [١٩٥] والتوبة [٧١] وكان المؤمنون الذين عنتهم هذه الآيات خليطا من أحرار وأرقاء. وفي إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية فصل في ذلك قرر فيه أنه ليس هناك أي أثر وثيق برفض شهادة العبد المسلم. وأنه يدخل في شمول كلمة (رِجالِكُمْ). وفي جملة (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) في سورة الطلاق وقال إن الميزان العادل وكتاب الله وسنّة رسوله وإجماع الصحابة على قبول شهادته. وروي عن أنس بن مالك قوله : «ما علمت أحدا ردّ شهادة العبد» (١).
٩ ـ ولقد تطرق بعض المفسرين إلى جواز وعدم جواز شهادة واستشهاد غير المسلمين في سياق هذه العبارة أيضا ، وأوردوا أقوالا مختلفة منها منع ذلك بناء على صراحة العبارة هنا وقالوا إن المسلم لا يشهد عليه إلا مسلم ولا ينبغي له أن يستشهد إلا مسلما. ومنها إجازة ذلك استنادا إلى آية سورة المائدة هذه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦)) غير أن الذين قالوا بالمنع قالوا إن آية المائدة منسوخة بآية البقرة التي نزلت بعدها. وهناك من قال إن الحالة التي نزلت فيها آية المائدة تتسع
__________________
(١) انظر أعلام الموقعين ج ٢ ص ٤٩.