فأحلّت جملة (فَكُلُوا مِنْها) ذلك للمسلمين كما قالوا مثل هذا في المناسبة السابقة وهو وجيه. ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن الأمر بالأكل هو على سبيل الرخصة والإباحة وحسب.
تعليق على جملة
(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ)
وقد قال المفسرون في صدد هذه الجملة ، واستنادا إلى الروايات ، أن العرب كانوا يلطّخون جدران الكعبة بدماء القرابين. وأن هذه الجملة لصرف المسلمين عن هذه العادة الجاهلية. ولا نستبعد ذلك ، كما أنه ليس من المستبعد أن تكون تعبيرا أسلوبيا لبيان كون هدف وصايا الله وحدوده في شعائر القرابين وغيرها ، إنما هو إثارة التقوى في قلوب عباده حتى يجتنبوا الآثام والمحظورات ويقبلوا على الأعمال الصالحة المفيدة.
ومهما يكن قصد الآية ، فإنها قد احتوت تنبيها بليغا فيه إشارة إلى جوهر وهدف الشريعة الإسلامية. فالله لا ينتفع بصلاة الناس ولا بصومهم ولا بقرابينهم ولا بتوجيه وجوههم قبل مشرق أو مغرب. وإنما يتوخّى من كل ما يأمر به من هذه الأشكال إثارة التقوى في قلوبهم ، وحملهم على تحرّي الخير والبرّ والعمل الصالح ، وفي هذا ما فيه من تلقين جليل.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا صحيحا جاء فيه : «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». وهذا الحديث ورد في التاج معزوّا إلى أبي هريرة ومن رواية مسلم وابن ماجه وبفرق هو بدل ألوانكم أموالكم (١). وينطوي في الحديث تلقين متساوق مع التلقين المنطوي في الآية كما هو واضح.
__________________
(١) التاج ج ١ ص ٤٧.