عزوا إلى مجاهد أن بعضهم قال إن المشركين قالوا والله إن محمدا وأصحابه لشرّ خلق الله ، فأمر في الجملة النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يردّ عليهم قولهم ويخبرهم أن الكافرين هم شرّ خلق الله.
والمتبادر من الآيتين أنهما وحدة وأن مضمونهما لا يتحمّل صحة هذا القول الذي لم يوثق بسند ما ، وأن الأوجه في تأويل الجملة هو ما ذكرناه في الفقرة الثالثة من الشرح إن شاء الله.
والمتبادر كذلك أن الصلة غير منقطعة بينها وبين الآيات السابقة التي كان موضوعها الكفار ، وقد حكت الآيات السابقة موقف مشركين معتدلين فجاءت هذه الآيات لتحكي موقف مشركين عنيفين.
تعليق على مدى الوصف الذي احتوته الآية
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) إلخ
ومدى جرأة النبي صلىاللهعليهوسلم في ما كان يبلغه عن الله من
الزواجر القاصمة دون مبالاة بعنف الكفار وقوّتهم
والوصف الذي احتوته الآيات يدلّ على شدّة عناد فريق من المشركين وعنفهم وما كانت تحدثه فيهم تلاوة القرآن ودعوة النبي صلىاللهعليهوسلم من غيظ وثورة نفس مما فيه صورة من صور السيرة النبوية في مكة. ويتجلّى في الآيات قوّة التنديد بهذا الفريق من جهة وقوّة الاستهانة بغيظهم وثورة نفوسهم من جهة أخرى ، حيث يقابلون بما هو أشدّ إثارة وأبعث على الغيظ وأصكّ للسمع. وفي خلال ذلك تتجلى جرأة النبي صلىاللهعليهوسلم واستغراقه في مهمته العظمى في إبلاغ الآيات وإسماعها لأناس شديدي العناد والغيظ يكادون يبطشون به حينما يدعوهم إلى الله ويتلو عليهم آيات القرآن. غير مبال بعنادهم وثورة نفوسهم وسورة غضبهم. وقد تجلّت هذه الصفات النبويّة الرائعة في مواقف كثيرة مماثلة حكتها آيات عديدة أخرى على ما نبّهنا إليه في مناسباته.