هذا ، وصيغة (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) لم ترد في آيات مكية. وما ورد في هذه الآيات قد ورد بصيغة الحثّ والتنويه مما مرّ منه أمثلة كثيرة من حيث إن هذا الأسلوب هو الأسلوب العام للأوامر والنواهي الربانية في السور والآيات المكية ، في حين أن أسلوب السور المدنية تبعا لطبيعة وظروف كلّ من العهدين المكي والمدني على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة. ولقد وردت هذه الصيغة في الآية الأخيرة من سورة المزمل. غير أن هذه الآية مدنية على ما نبهنا عليه. وهذا قد يورد احتمال أن تكون الآيتان الأخيرتان مدنيتين في جملة ما يرد من احتمال أن تكون بعض آيات السورة مدنية على ما ذكرناه قبل. ويلحظ أنهما فصل تامّ غير معطوف وغير متصل بما سبقه مما قد يدعم هذا الاحتمال. فإذا صحّ هذا فيكون وضعهما خاتمة للسورة لحكمة علمها الله ورسوله والله تعالى أعلم.
تعليق على جملة
(وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل في مدى هذه الجملة. منها أنها بمعنى أنه ما من ذنب يذنبه المسلمون إلّا جعل الله لهم منه مخرجا من توبة أو كفّارة. ومنها أن ذلك في هلال شهر رمضان والفطر ووقت الحجّ إذا التبس عليهم وأمثال ذلك. ومنها أن الله قد جعل الدين واسعا ولم يجعله ضيّقا بصورة عامة. ومنها ما جعله الله من رخص للمسلمين في العبادات وغيرها عند الضرورات. ومنها إيذان بأن الله قد رفع عنهم ما وضعه على بني إسرائيل من تكاليف فيها مشقّة وحرج. والجملة تتحمّل كلّ هذه الأقوال حيث يبدو بذلك ما لها من خطورة بالغة تستدعي التنويه من حيث إنها تتضمّن تقرير كون الله عزوجل قد يسّر على المسلمين الأمور فلم يحملهم في دينهم ما لا يطيقون ولم يجعل عليهم فيه إعناتا وشدّة وجعل لهم فيه لكلّ ضيق فرجا ولكلّ عسر يسرا. وهذا المعنى قد تكرر في سور عديدة بحيث يصحّ أن يقال إنه مما امتازت به الشريعة الإسلامية عمّا قبلها. وقد أشير إلى هذا المعنى في آية سورة الأعراف هذه : (الَّذِينَ