الفقيمي قال : «جعل الناس يسألون رسول الله أعلينا حرج في كذا؟ فقال : أيها الناس إن دين الله عزوجل يسر قالها ثلاثا» (١). وحديث آخر رواه الإمام أحمد عن أبي أمامه جاء فيه : «قال رجل إني مررت بغار محمد فحدثتني نفسي أن أقيم فيه وأتخلّى عن الدنيا ، فقال له رسول الله : «إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية لكن بعثت بالحنيفية السمحة» (٢).
وهكذا يكون التساوق تاما بين التلقين القرآني والتلقين النبوي ؛ ويصبح المعنى الذي احتوته الجملة من المبادئ المحكمة في الإسلام. ولقد روي عن ابن زيد أحد علماء التابعين قوله في مدى الجملة : (ما من ذنب يذنبه المسلمون إلّا ولهم مخرج منه من توبة أو كفّارة). وعن ابن عباس تأويله لكلمة حرج بالضيق وقوله : (إنّ مدى الجملة ينطبق على هلال شهر رمضان وذي الحجة إذا شكّ الناس فيه أو التبس عليهم أو أشباه ذلك). مما فيه صور تطبيقية وجيهة لمدى هذه الجملة.
تعليق على جملة (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ)
كذلك فإن جملة (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) جديرة بالتنويه من حيث إنها تحثّ على فعل الخير إطلاقا. والخير هو كل عمل نافع ومفيد قولا وفعلا. والإطلاق يفيد الحثّ على عمل الخير في كل ظرف ولكل الناس بدون قيد وشرط مما فيه رائع التلقين.
ولقد تكرر ذلك في آيات عديدة مما يزيد الروعة. منها آية سورة البقرة هذه (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٤٨) حيث انطوت على حثّ على التسابق إلى فعل الخير وآية سورة آل عمران هذه : (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٤) حيث انطوت على التنويه بالمسارعين في الخيرات. ومنها آية سورة آل عمران هذه : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
__________________
(١) تفسير القاسمي لآية البقرة [١٨٥].
(٢) انظر المصدر نفسه.