كما كانت «من» في معنى (على) في قوله تعالى (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) [الأنبياء : ٧٧] اي : على القوم ، وكما كانت الباء في معنى «على» في قوله «مررت به» و «مررت عليه». وفي كتاب الله عزوجل (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ) [آل عمران : ٧٥] يقول «على دينار». وكما كانت «في» في معنى «على» نحو (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١]. ويقول «على جذوع النخل». وزعم يونس (١) ان العرب تقول : «نزلت في أبيك» تريد «عليه» وتقول : «ظفرت عليه» أي «به» و «رضيت عليه» أي : «عنه» قال الشاعر (٢) [من الوافر وهو الشاهد الرابع والعشرون] :
إذا رضيت عليّ بنو قشير |
|
لعمر الله أعجبني رضاها |
وأما قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥) فهو في معنى «ويمدّ لهم» كما قالت العرب : «الغلام يلعب الكعاب» تريد «يلعب» (٣) بالكعاب» وذلك أنهم يقولون «قد مددت له» و «أمددته» في غير في هذا المعنى ، وهو قوله جلّ ثناؤه (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) [الطور : ٢٢] وقال (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (١٠٩) [الكهف]. وقرأ بعضهم (مدادا) و (مدّا) من «أمددناهم» وتقول «مدّ النهر فهو مادّتها» و «أمدّ الجرح فهو ممدّ». وقال يونس : «ما كان من الشرّ فهو «مددت» وما كان من الخير فهو «أمددت» (٤). فتقول كما فسرت له ، فإذا أردت أنّك تركته قلت : «مددت له» (٥) وإذا أردت أنك أعطيته ، قلت : «أمددته» (٦).
__________________
(١). هو أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب الضبّي الإمام النحوي البصري ، ولد سنة أربع وتسعين للهجرة ، وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائة ، انظر ترجمته في أخبار النحويّين ٢٧ ، ومراتب النحويّين ٢١ ، وطبقات النحويين ٥١ ، وإنباه الرواة ٤ : ٦٨ ، وبغية الوعاة ٤٢٦.
(٢). هو القحيف بن حمير بن سليم الندي العقلي. وانظر مجاز القرآن ٢ : ٨٤ بلفظ «لعمر أبيك» ولا عزو ، والكامل ٢ : ٥٣٨ و ٣ : ٨٢٤ معزوا إلى العامري ، وأدب الكاتب ٣٩٥ معزوّا إلى القحيف العقيلي ، وشرح شواهد المغني ١٤٢ معزوّا إليه ، كذلك وانظر شرح العيني ٣ : ٢٨٢ ، والخزانة ٤ : ٢٤٧.
(٣). يلعب الثانية مستدركة من الهامش.
(٤). في التكملة «مدد» قال يونس : ما كان من الخير فإنّك تقول : «أمددته» ، وما كان من الشر فإنّك تقول «مددته» وفي اللسان «مدد» العبارة نفسها تقريبا.
(٥). في الأصل «مددت» والزيادة من الجامع ١ : ٢٠٩.
(٦). في الجامع ١ : ٢٠٩ حكي عن الأخفش : مددت له إذا تركته ، وأمددته إذا أعطيته.