وقوله تعالى (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [الآية ١٦] فهذا على قول العرب : «خاب سعيك» وإنّما هو الذي خاب ، وإنّما يريد «فما ربحوا في تجارتهم» ومثله (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (١) (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) [الآية ١٧٧] إنّما هو «ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله» (٢) وقال الشاعر (٣) [من المتقارب وهو الشاهد الخامس والعشرون] :
وكيف تواصل من أصبحت |
|
خلالته كأبي مرحب (٤) |
وقال الشاعر (٥) [من الطويل وهو الشاهد السادس والعشرون] :
وشرّ المنايا ميّت وسط أهله |
|
كهلك (٦) الفتاة أسلم الحيّ حاضره (٧) |
إنما يريد «وشر المنايا منية ميّت وسط أهله» ، ومثله : «أكثر شربي الماء» و «أكثر أكلي الخبز» وليس أكلك بالخبز ولا شربك بالماء. ولكن تريد أكثر أكلي أكل الخبز وأكثر شربي شرب الماء. قال تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] يريد : «أهل القرية» ، (وَالْعِيرَ) [يوسف : ٨٢] أي : «واسأل اصحاب العير». وقال تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) [الآية ١٧١] فكأنّه يريد ـ والله أعلم ـ «مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به». فحذف هذا الكلام ، ودلّ ما بقي على معناه. ومثل هذا في القرآن كثير. وقد قال بعضهم (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) يقول «مثلهم في دعائهم الالهة كمثل الذي ينعق بالغنم» لان ـ آلهتهم لا تسمع ولا تعقل ، كما لا تسمع الغنم ولا تعقل.
وقوله تعالى (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ
__________________
(١). سبأ ٣٤ : ٣٣. وفي إعراب القرآن ٢ : ٨٨٠ والجامع ١٤ : ٣٠٢ عن الأخفش «هذا مكر الليل والنهار».
(٢). عبارة الكتاب ١ : ١٠٨ نفسها.
(٣). هو النابغة الجعدي أبو ليلى عبد الله بن قيس.
(٤). شعر النابغة الجعدي ٢٦ ، وفي الكتاب ١ : ١١٠ للمعنى نفسه ، وفي مجالس ثعلب ٧٧ ب «يصاحب» بدل «تواصل» ، وفي الأمالي ١ : ١٩٢ ب «تصادق» وانظر اللسان «خلل» ، والصحاح «خلل» ، والإنصاف ١ : ٤٤.
(٥). هو الحطيئة جرول بن أوس العبسي.
(٦). في ديوان الحطيئة ٤٥ بلفظ «هالك» بدل «ميت» ، و «ايقظ» بدل «أسلم» ، وفي الكتاب ١ : ١٠٩ بلفظ «الفتى قد» بدل «الفتاة». وكذلك في الإنصاف ١ : ٤٤.
(٧). عبارة تكاد تطابق عبارة الكتاب ١ : ١٠٩.