وقال تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) [الآية ١١١] ، فزعموا أن «الهود» : جماعة «الهائد». و «الهائد» : التائب الراجع الى الحقّ. وقال تعالى في مكان آخر (وَقالُوا كُونُوا هُوداً) [الآية ١٣٥] أي : كونوا راجعين الى الحق ، «هائد» و «هوّد» مثل «ناقه» و «نقّه» ، و «عائد» و «عوّد» ، و «حائل» و «حوّل» ، و «بازل» و «بزّل» (١) وجعل (مَنْ كانَ) واحدا لأنّ لفظ «من» واحد وجمع (٢) في قوله (هُوداً أَوْ نَصارى). وفي هذا الوجه تقول : «من كان كان صاحبك». قال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [الآية ١١٤] إنّما هو «من أن يذكر فيها اسمه» ، ولكنّ حروف الجرّ تحذف مع «أن» كثيرا ويعمل ما قبلها فيها ، حتى تكون في موضع نصب ، أو تكون (أَنْ يُذْكَرَ) بدلا من «المساجد» يريدون : «من أظلم ممّن منع أن يذكر».
وقال تعالى (وَسَعى فِي خَرابِها) [الآية ١١٤] فهذا على «منع» و «سعى» ثم قال (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) [الآية ١١٤] فجعله جميعا لأنّ «من» تكون في معنى الجماعة.
وقال تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [الآية ١١٥] لأنّ «أينما» من حروف الجزم من المجازاة والجواب في الفاء.
وقال جلّ شأنه (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [الآية ١١٧] بالرفع على العطف ، كأنّه إنّما يريد أن يقول : «إنّما يقول كن فيكون» ؛ وقد يكون أيضا بالرفع على الابتداء. وقال (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٠) [النحل] فان جعلت (يكون) ها هنا معطوفة ، نصبت ، لأنّ (أَنْ نَقُولَ) نصب ب «أن» كأنه يريد : (أَنْ نَقُولَ) (فيكون). فان قيل : «كيف والفاء ليست في هذا المعنى؟ فإنّ الفاء والواو قد تعطفان على ما قبلهما وما بعدهما ، وإن لم يكن في معناه نحو «ما أنت وزيدا» ، وإنّما يريد «لم تضرب زيدا» ، وترفعه على «ما أنت وما زيد» ، وليس ذلك معناه. ومثل قولك : «إيّاك والأسد». والرفع في قوله تعالى (فَيَكُونُ) على الابتداء نحو
__________________
(١). كان يمكن أن يحمل على «فاعل» «فعل» ، لولا ورود «ناقه» التي لا تجمع على «فعل» «نقه» بل «فعل» «نقّه».
(٢). نقله عنه في اعراب القرآن ١ : ٧١ ، والجامع ٢ : ٧٥.