فإن قيل : ما الحكمة في لفظ «إله» في قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [الآية ١٦٣].
قلنا : لو قيل : وإلهكم واحد ، لكان ظاهره إخبارا عن كونه واحدا في الإلهية ، يعني لا إله غيره ، ولم يكن إخبارا عن توحّده في ذاته ، بخلاف ما إذا كرّر ذكر الإله ، والآية إنّما سيقت لإثبات أحديّته في ذاته ، ونفي ما يقوله النّصارى أنه واحد ، والأقانيم ثلاثة : أي الأصول ؛ كما أنّ زيدا واحد وأعضاؤه متعددة ؛ فلما قيل إله واحد دل على أحديّة الذات والصفة. ولقائل أن يقول : قوله تعالى (واحِدٍ) يحتمل الأحديّة في الذات ، ويحتمل الأحدية في الصفات ، سواء كرّر ذكر الإله أو لم يكرر ، فلا يتم الجواب.
فإن قيل : ما الحكمة في التشبيه في قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) [الآية ١٧١] وظاهره تشبيه الكفّار بالرّاعي؟.
قلنا : فيه إضمار تقديره : ومثلك يا محمّد مع الكفار كمثل الرّاعي مع الأنعام ، أو تقديره : ومثل الذين كفروا كمثل بهائم الرّاعي ، أو ومثل واعظ الذين كفروا كمثل الناعق بالبهائم ، أو ومثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام كمثل الرّاعي.
فإن قيل : لم خصّ المنعوق بأنّه لا يسمع إلّا دعاء ونداء ، مع أنّ كلّ عاقل كذلك أيضا لا يسمع إلّا دعاء ونداء؟
قلنا : المراد بقوله تعالى : (لا يَسْمَعُ) [الآية ١٧١] أنّه لا يفهم كقولهم : أساء سمعا ، فأساء إجابة ، أي أساء فيهما.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الآية ١٧٤] وقال في موضع آخر (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣) [الحجر]؟
قلنا : المنفي كلام التلطّف والإكرام ، والمثبت سؤال التوبيخ والإهانة فلا تنافي.
فإن قيل : لم قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [الآية ١٧٨] أي فرض ، والقصاص ليس بفرض ، بل الوليّ مخيّر فيه ، بل مندوب إلى تركه؟
قلنا : المراد به فرض على القاتل التمكين ، لا أنّه فرض على الوليّ الاستيفاء.