ونحن نرى كثيرا من الداعين لا يستجاب لهم؟
قلنا : روي عن النبي (ص) ، أنّه قال : «ما من مسلم دعا الله بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم ، إلّا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إمّا أن يعجّل دعوته ، وإمّا أن يدّخرها له في الاخرة ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها» ولأنّ قبول الدعاء شرطه الطاعة الله تعالى ، وأكل الحلال ، وحضور القلب وقت الدعاء ؛ فمتى اجتمعت هذه الشروط حصلت الإجابة ، ولأن الداعي قد يعتقد مصلحته في الإجابة ، والله تعالى يعلم أنّ مصلحته في تأخير ما سأل ، أو في منعه ، فيجيبه إلى مقصوده الأصلي ، وهو طلب المصلحة ، فيكون قد أجيب وهو يعتقد أنّه منع عنه.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [الآية ١٩٦] ومعلوم أنّ ثلاثة وسبعة عشرة ، ثم ما الحكمة في قوله تعالى : (كامِلَةٌ) والعشرة لا تكون إلّا كاملة ، وكذا جميع أسماء الأعداد ، لا تصدق على أقل من المذكور ، ولا على أكثر منه؟
قلنا : الحكمة في قوله تعالى : (تِلْكَ عَشَرَةٌ) أن لا يتوهم أنّ الواو بمعنى أو ، كما في قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [النساء : ٣] وألا تحل التسع جملة ، فنفى بقوله سبحانه : (تِلْكَ عَشَرَةٌ) ظنّ وجوب أحد العددين فقط ، إما الثلاثة في الحج ، أو السبعة بعد الرجوع ، وأن يعلم العددين من جهتين جملة وتفصيلا ، فيتأكّد العلم به ، ونظيره فذلكة الحساب ، وتنصيف الكتاب. وأما قوله تعالى : (كامِلَةٌ) فتأكيد كما في قوله تعالى : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) [الآية ٢٣٣] أو معناه كاملة في الثواب مع وقوعها بدلا من الهدى ، أو في وقوعها موقع المتتابع مع تفرّقها ، أو في وقوعها موقع الصوم بمكّة مع وقوع بعضها في غير مكّة ، فالحاصل أنّه كمال ، وصفا لا ذاتا.
فإن قيل : ما الحكمة في تكرار الأمر بالذكر في قوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [الآية ١٩٨].
قلنا : إنّما كرره تنبيها على أنّه سبحانه أراد ذكرا مكرّرا ، لا ذكرا واحدا ، بل مرّة بعد أخرى ، ولأنه زاد في الثاني فائدة أخرى ، وهي قوله