وما المرء إلّا كالشّهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع ولأنّها كانت إليه قبل خلق عبيده ، فلمّا خلقهم ملكهم بعضها خلافة ونيابة ، ثم رجعت إليه بعد هلاكهم ، ومنه قوله تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) [غافر : ١٦] وقوله تعالى : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) [الفرقان : ٢٦] وإنّما قال سبحانه : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٢١٠) ولم يقل إليه ، وإن كان قد سبق ذكره مرة ، لقصد التعميم والتعظيم.
فإن قيل : لم طابق الجواب السؤال في قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [الآية ٢١٥] فإنّهم سألوا عن بيان ما ينفقون ، وأجيبوا عن بيان المصرف؟.
قلنا : قد تضمّن قوله تعالى : (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) بيان ما ينفقونه وهو كلّ خير ، ثمّ زيد على الجواب بيان المصرف ، ونظيره قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ) [طه].
فإن قيل : لم جاء «يسألونك» ثلاث مرات بغير واو : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) [الآية ٢١٥] ، (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) [الآية ٢١٧] ، (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [الآية ٢١٩]. ثم جاء ثلاث مرات بالواو : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) [الآية ٢١٩] ، (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) [الآية ٢٢٠](وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ)؟ [الآية ٢٢٢].
قلنا : لأنّ سؤالهم عن الحوادث الأول وقع متفرّقا ، وعن الحوادث الأخر وقع في وقت واحد ، فجيء بحرف الجمع دلالة على ذلك.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٢٧). وعزمهم الطلاق ممّا يعلم ، لا ممّا يسمع؟
قلنا : الغالب أنّ العزم على الطلاق ، وترك الفيء ، لا يخلو من دمدمة ، وإن خلا عنها ، فلا بدّ له أن يحدّث نفسه ويناجيها بما عزم عليه ، وذلك حديث لا يسمعه إلّا الله تعالى ، كما يسمع وسوسة الشيطان.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) [الآية ٢٢٨] ولا حقّ للنساء في الرجعة ، وأفعل يقتضي الاشتراك؟
قلنا : المراد أنّ الزوج إذا أراد الرجعة وأبت ، وجب إيثار قوله على قولها ، لأنّ لها حقا في الرجعة.