وعقولهم وتهدم ما بنوا من حضارات وما شيدوا من قصور.
وبينما تعرض السورة أثر الافتتان وسوء عاقبة الغرور بالأموال والأولاد ، نراها تقرر الحق في شأن حب الناس للأموال ومظاهر هذه الحياة. وتقول إنه شيء فطروا عليه ، ولكنه ليس هو المقصد الأسمى من هذه الحياة ، وإنما هو متاع وزينة ، وهو في الوقت نفسه وسيلة للحصول على المتاع الخالد في الحياة الخالدة ، إذا أحسن استعماله ، قال تعالى :
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (١٥).
ثم تصف هؤلاء الذين اتقوا والذين لهم ذلك الجزاء بأنهم هم الذين أدركوا الحق وأنفقوا ما آتاهم الله من مال ابتغاء مرضاة الله ، وصبروا على ما انتابهم من بلايا ومحن ورجعوا إلى الله بالتوبة والاستغفار ، قال تعالى :
(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) (١٧).
(٥)
عظمة القرآن
في تربية المؤمنين
تمثل سورة آل عمران قطاعا حيا من حياة الجماعة المسلمة في المدينة من بعد غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة ، إلى ما بعد غزوة أحد في السنة الثالثة ، وما أحاط بهذه الحياة من ملابسات شتّى خلال هذه الفترة الزمنية ، وفعل القرآن ، إلى جانب الأحداث ، في هذه الحياة وتفاعلها معه في مختلف الجوانب.
والنصوص هي ، من القوة والحيوية ، بحيث تستحضر صورة هذه الفترة وصورة الحياة التي عاشتها الجماعة المسلمة ، وصورة الاشتباكات والملابسات التي أحاطت بهذه الحياة.
ويتنزل القرآن ليواجه الكيد والدس