فإذا أبيح وتزوج الإنسان من أقرب الناس إليه كالأم والبنت ، اصطدمت حقوق هؤلاء الأقارب بحقوق الزوجية ، فالأم مثلا لها حق الطاعة والاحترام ؛ فلو اتخذها الإنسان زوجة ، لكان له عليها حق القوامة وحق الطاعة والخضوع. فضلا عما هو غنيّ عن البيان من نفور الإنسان من هذا اللون من المتاع ، فبهيميّة ، أيّ بهيمية ، أن يتمتع الرجل بأمه. ومثل هذا يقال في درجات القرابة الأخرى. فالخالة لها ما للأم ، والعمة لها ما للأب ، والأخت وابنتها وابنة الأخ ، وابنة الإنسان التي هي قطعة منه ، كل هؤلاء تستقبح الأذواق نكاحهن وافتراشهن ، ولا يمكن أن يتصور المرء في هذا الوضع ، إذا أبيح ، إلا المفارقات والصعاب ، وضعف النسل وسوء المنقلب.
ومثل هذا يقال أيضا في نكاح من حرمن من جهة الرضاع ، فإن المرضع أمّ في الكرامة ولها حق الأم في وجوب الرعاية ، وليس من شأن الإنسان أن يلتمس منها ما يلتمسه الرجل بالزوجية.
وقد حرمت السورة الجمع بين الأختين ، والجمع بين الأم وابنتها حتى لا تقطع الأرحام ، فإن المرأة تغار من ضرتها ، وتفعل الكثير في سبيل إبعادها عن زوجها. ولو أبيح الجمع بين الأقارب لطعنت المرأة في أختها وفي أمها ، ولأدركها نوع من الغيرة الشديدة فانقطعت بذلك صلاتها من النسب ، وتعرضت بذلك الأمر إلى خطر شديد. قال تعالى :
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢٣).
مصادر التشريع في الإسلام
أمرت سورة النساء بالعدل في الحكم وأداء الأمانات إلى أهلها. وبينت أن الأمانة والعدالة من أسباب الرقي والتقدم والسعادة في الدنيا والآخرة.