الأحكام ، ثم جاء بعدها آيات كثيرة من الأحكام والشرائع ، ثم استطرد منها إلى شرح أحوال اليهود من أهل الكتاب ، ثم عاد السياق بعد ذلك إلى ما كان عليه من بيان الشرائع والأحكام ، ثم استطرد منه إلى الكلام ثانيا في أحوال المنافقين وأهل الكتاب ، ثم ختمت السورة بالعودة إلى سياقها الأول ، ليكون آخرها مشاكلا ، بهذا ، لأولها.
وقد جاءت سورة النساء بعد سورتي البقرة وآل عمران : لأنها تشبههما في الطول ، وفي ما تناولته من بيان بعض الأحكام العملية ، وشرح بعض أحوال أهل الكتاب والمنافقين.
براعة المطلع
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) [الآية الأولى] ، فأمر الناس بالتقوى لما سيأتي في السورة من الأحكام. والتقوى هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي. ثم ذكر أنه خلقنا من نفس واحدة وجعل منها زوجها ، لأن كثيرا من هذه الأحكام قد شرع لتنظيم العلاقة بين الزوجين ثم كرر الأمر بتقوى الله الذي يتساءلون به والأرحام (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١).
أحكام اليتامى والسفهاء
الآيات [٢ ـ ٦]
ثم قال تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) [الآية ٢] ، فأمرهم بأن يؤتوا اليتامى أموالهم بالإنفاق عليهم منها وتسليمها لهم بعد بلوغهم. ونهاهم أن يضموا أموالهم في الإنفاق ، لتتميز أموالهم وحدها ، ولا يدخل شيء منها في أموالهم. ثم أمرهم أن يتركوا نكاح اليتيمة إذا خافوا أن يطمعهم ذلك في أموالها وأموال إخوتها فلا يقسطوا فيها. ووسّع عليهم في نكاح غيرها إلى أربع ، حتى لا يكون لهم عذر في نكاح اليتيمة في تلك الحالة ، ثم أمرهم أن يؤتوا النساء مهورهن حتى لا يظنوا أنها بخلاف مهر اليتيمة يحلّ لهم الطمع فيها ، وأحل لهم أن يأخذوا منها ما تطيب نفوسهن به ، لأنهن يحلّ لهن التصرف فيها بخلاف اليتيمة لرشدهن ، ثم نهاهم أن يؤتوا السفهاء من اليتامى وغيرهم أموالهم ، وأمرهم أن يبتلوا اليتامى عند بلوغهم ، فإذا ظهر أنهم غير سفهاء دفعت إليهم أموالهم. ثم