ما شجر بينهم عن رضيّ منهم ، ثم ذكر أنه ، لو كلّفهم ما يشقّ عليهم من قتل أنفسهم ، أو الخروج من ديارهم ، لم يفعله إلا قليل منهم وضاقوا به ، وأنهم لو فعلوا ما يوعظون به مما يطيقونه لكان خيرا لهم. ثم ذكر أن من يطيعه ورسوله يكون مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصّدّيقين ومن إليهم (ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) (٧٠).
أحكام القتال
الآيات [٧١ ـ ١٠٤]
ثم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (٧١) فأمرهم بأخذ الحذر وهو السلاح ، وأن ينفروا إلى القتال جماعات متفرقة أو مجتمعين. ثم ذكر لهم أن منهم من يثبّطهم عن القتال ، وهم المنافقون. فإن أصابتهم فيه مصيبة فرحوا بعدم خروجهم معهم ، وإن أصابهم فيه فوز تمنّوا أن لو كانوا معهم. ثم أمرهم بالقتال ووعدهم عليه عظيم الأجر ، قتلوا أو غلبوا ، وحثّهم على هذا بأنهم يقاتلون في سبيله وفي سبيل المستضعفين منهم بمكة ، وأن أعداءهم يقاتلون في سبيل الطاغوت ، ومن يقاتل في سبيل الطاغوت يكون من أولياء الشيطان ، ومن يتولاه الشيطان يكون ضعيفا. ثم ذكر ما كان من المنافقين من طلب القتال قبل شرعه لهم. فلما كتب عليهم هابوه وتمنوا لو أخّر عنهم إلى أجل قريب حذرا من الموت ، وأمر النبيّ (ص) أن يرد عليهم بأن متاع الدنيا قليل ولو طال ، وبأن لكل منهم أجلا لا بد أن يدركهم ولو كانوا في بروج مشيدة. ثم ذكر أنهم ، بعد استثقال القتال ، إذا خرجوا إليه فأصابتهم حسنة ، يقولون إنها من عند الله ، وإن أصابتهم سيئة ألقوا فيها اللوم على النبي (ص) ، وأمره أن يردّ عليهم بأن الحسنة والسيئة جميعا من عند الله ، وإذا كان هناك سبب من العبد في إصابة السيئة فهو من نفسه لا من غيره ، فلا يصحّ أن يلوم في ذلك إلا نفسه ، وليس للنبي (ص) في الأمر شيء ، لأنه ليس إلا رسولا من الله. فمن يطعه فقد أطاع الله ، ومن يتولّ عنه فلا شيء عليه في تولّيه ، ثم ذكر أنهم إذا أمروا بالقتال أظهروا الطاعة في حضرة النبي (ص). فإذا خرجوا من عنده أضمروا خلافها ، والله يعلم ما يضمرون من ذلك ويكتبه