قال الزجاج (١) في تفسير الطّول في [الآية ٢٥ من آل عمران] :
معناه من لم يقدر منكم على مهر الحرّة ، قال : والطّول : القدرة على المهر.
وقوله تعالى : (ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [غافر / ٣] ، أي : ذي القدرة.
وقيل : الطّول : الغنى.
وقيل : الطّول : الفضل ، يقال : لفلان عليّ طول ، أي : فضل.
أقول : أفادت العربية من كلمة «الطّول» ضد «العرض» فوائد كثيرة ، أفعالا ، ومصادر ، وصيغا أخرى. وإن نظرة وافية إلى هذه المادة ، في المعجم ، لتهدي إلى القدر الكبير من الفوائد ، التي حفلت بها لغة العرب من هذه المادة ، اعتمادا على تغيير الأصوات القصيرة (الحركات).
ألا ترى أنهم قالوا : طويل ثم طوال للمبالغة.
وأنهم قالوا : طول للحبل الطويل جدا كما في قول طرفة :
لعمرك إنّ الموت ، ما أخطأ الفتى ، |
|
لكالطّول المرخى وثنياه باليد |
ومن المفيد أن نجد «التطاول» ، بمعنييه الحسي والعقلي ، فندرك كم أفادت العربية من الأصول المادية الأولى ، ففرّعت المعاني ، وشقّقت الصيغ.
٥ ـ وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) [الآية ٣٨].
أريد أن أقف على «الرّئاء» ، وهو مصدر كالمراءاة ، مثل السّباق والمسابقة ، ويراد به الذين ينفقون أموالهم تظاهرا وزهوا.
وفي الرّئاء خداع وكذب ، وهذا كقوله تعالى أيضا :
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) [الأنفال / ٤٧].
أقول : وهذا المصدر الصريح هو الذي تحول إلى «الرياء» ، واكتسب خصوصية معنوية نعرفها في الاستعمال.
وليس «الرياء» اسما كما ورد في «اللسان» ، بل هو المصدر نفسه كالمراءاة ، وهو مقلوب «الرّئاء» وقد صير إلى هذا القلب التماسا للخفة ، وهو كالقلب في آبار وآرام ، والأصل
__________________
(١). «اللسان» (طول).