ثم إن الأصل في هذه الكلمة ، كما قال الزجاج ، هو «الرّغام» أي التراب. وهنا نقول إن قولنا : أرغمت فلانا ، أي : أجبرته وقهرته لمحا إلى أن «المرغم» في الأصل من مسّ جبهته التراب ، وقد امّحت هذه الحقيقة التاريخية اللغوية فبقي الإجبار والقهر ، وعلى هذا لا يكون «المراغم» اسم مكان بمعنى المهرب والمضطرب فحسب ، بل يضاف إلى ذلك أنه المهرب الذي يضطرّ الإنسان إلى أن يلجأ إليه ويكره على سلوكه.
١٠ ـ وقال تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) [الآية ١٠٢].
أقول : أشار الفعل «فلتقم» إلى أن الفاعل مؤنث وهو طائفة ، وهذا يعني أن العربية تراعي اللفظ كثيرا. فلما كان لفظ الفاعل مؤنثا أشار الفعل إلى التأنيث بالتاء في أوله. حتى إذا أسند إلى الفاعل فعل بعده ظهرت المراعاة للأصل والمعنى ، وذلك لأن الطائفة مجموع من الناس قد تكون مساوية ل «قوم» ، أو «جمع» ، أو شيء من هذا. ومثل هذا قوله تعالى :
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) (١١٣).
في مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى ، وهذا كثير في القرآن وكثير في العربية الفصيحة ولا سيما القديمة.
ومراعاة اللفظ في العربية كثيرة ، وقد تكون سمة من سمات الفصاحة ، ومن ذلك مثلا أن كلمة «بعض» ، تدلّ على الواحد في شواهد كثيرة كما تدل على الجمع في شواهد أخرى. غير أن دلالتها على الواحد تأتي مراعاة للفظها الذي هو مفرد ، قال تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ) [الشعراء].
وقوله تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) [التحريم / ٣].
وقوله تعالى : (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) [يوسف / ١٠].
وفي كلام الفصحاء وأشعار العرب الشيء الكثير من هذه الدلالة على الواحد لمراعاة اللفظ.
على أن مراعاة المعنى وهو الجمع كثيرة أيضا.
١١ ـ وقال تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ